- ضياف البراق
أعترف لكم بأنني ما زلتُ أحبو في مهد الفلسفة كطفلٍ صغير. غير أن هذا الاعتراف ليس يعني أبدًا أنني لن أكبُرَ فلسفيًا بمرور الزمن. بكل تأكيد أعشق الفلسفة حتى التعبُّد، لكنني لم أحلُمْ ولا مرّة، إطلاقًا، بأن أصبح فيلسوفًا أو حتى نصف فيلسوف في المستقبل. ليس عندي أي طموح من هذا النوع، أو حلم بهذا الحجم الهائل. منذُ أكثر من خمسة أعوام بدأتُ أقرأ الفلسفة، وهأَنَذَا اليومَ أحاول الدخول إلى أعماقها، ومعرفة بعض أسرارها المُهِمّة، وبكل شغفٍ استكشافي عقلي، لا لكي أكون فيلسوفًًا، أو مُرشِدًا أخلاقيًا كبيرًا، بل لأنني أُحِبُّ أن أكون إنسانًا حقيقيًا له مواقف نبيلة على الدوام، وهذا يكفيني. أمّا أول مَن فتح لي أبواب الفلسفة، وعلّمني الكثيرَ من دروسها، وأسقاني من ماء روحها العذب، وجعلني ذا نزعة فلسفية تُجاه كل شيء، فلن يكون إلّا أستاذي العظيم “سلامة موسى”. عمومًا، من حينها كلما قرأتُ موضوعًا فلسفيًا أو كتابًا في الفلسفة أو عنها، فبالتأكيد يزداد عشقي للفلسفة والفلاسفة معًا. كما أن الفلسفة هي التي جعلتني أُحِبّ هذا الوجود بأكمله. وكلما كبُرَتْ معرفتي الفلسفية، كانت حياتي أوسع وأفضل. إنني لا أبالغ حين أقول إنّ الفلسفة هي “قمة الإنسانية”. ولا أظن أنّ أحدًا مِنّا يَقرأ الفلسفة أو يدرسها أو يمارسها بين وقتٍ وآخر، دون أن تزداد ذاته حُرّية وإنسانية وطاقة. لا شك أن الفلسفة هي التي تُحَرِّرُ الإنسان من جميع القيود والأوهام، روحيًا وعقليًا، وهذه “الحرية” العميقة لا تجعلنا إلا إنسانيين حقيقيين نستحق الحياة فعلًا. وبما أنني وُلِدْتُ في هذا العالَم المأساوي العجيب، لأعيشَ حياة البحث والكفاح باستمرار، كان لا بُد لي أن أتفلسف حتى موتي. أجل، سأتفلسف دومًا، وفي كل شيء، وإلى النهاية، فالفلسفة ليست خطأً ولا كُفْرًا، بل إنها الشرف الإنساني بعينه. فالمرء لا يصبح إنسانًا ساميًا ما لم تعانقه روح الفلسفة، وهذا العالَم أيضًا لن يكون جميلًا وعادلًا إلا في حضن الفلسفة الأصيلة، ومع التفلسُف الحضاري الأصيل.