- ضياف البراق
لا شك أن التاريخ الذي علّمني الكذب يستحق إجلالي وشكري البالغين. الظاهرة الوحيدة التي لا تغيب عن كل العصور هي “الكذب”. لا يخلو أي إنسان من بذور الكذب، كما لا يخلو أي مجتمع من الكذّابين. أيضًا الكتابة خطيرة كالتاريخ إلى حدٍّ كبير، أعني أنها تعلّمني الكذب في كثير من الأحيان، إن لم يكن دومًا، لكن دون أن تُشعِرني بذلك. وهنا أعترف أن أغلب الكذابين الذين قابلتُهم في حياتي، هم من ذوي النشأة الدينية، صدِّق أو لا تصدِّق، فهذا شأنك. عمومًا، لستُ أخجل من كوني كذّابًا مُحترمًا. والكذّاب المحترم، الذي كذبه غير مؤذٍ. لستُ أول من يكذب ولا الأخير. إنني أمارس الكذب في أحيان كثيرة، لا حُبًّا في الحياة ولا خوفًا من الموت، ولكن من أجل إسعاد لا شيء أو إسكات هذا الفراغ الذي يحتضِر بلا ذنب. أمارس الكذب إمّا كاحترامٍ منّي لبعض الحقائق الكاذبة، أو أحيانًا كبديلٍ ضرويّ عنّي أنا بالذات. هنالك في الحياة نوع خاص من المشكلات لا يحل إلا عن طريق الكذب والتبرير. كما أن هنالك حقائق لا تُكتشَف عن إلّا طريق الكذب فحسب. إذَنٔ، ولهذا السبب بالضبط، لن أكون في غنى عن الكذب في يوم من الأيام، على الإطلاق. يشيخ سريعًا من لا يَكذب. لكن، وهذا الأهمّ، الكذب الحميد يحتاج منّا إلى قدر كبير من الذكاء الفني. طبعًا، جزء كبير من الفن، أي فن، قائم على الكذب أو يحتوي على كمية محدودة مما يُشبِه الكذب. حتى يومنا هذا لم يعرف التاريخ أحدًا لا يَكذِب إطلاقًا، وبكل تأكيد لن يَعرف إلا الكذّابين. الحياة هي “اللف والدوران”، وبالتالي، مستحيل أن تستمر بدون الكذب. لا شيء يخلو من الكذب، أو لا يمارس الكذب، ولا للكذب نهاية أو حدود.