- موفق السلمي
كثيرا ما تحدثت آيات القرآن الكريم عن الصبر ، وجعلته من صفات المؤمنين ،
بعضها أمرت به، وأخرى بشرت بأجره ، وأخريات تقول : ” إنّ اللهَ معَ
الصابرين ” ، ومن يكن الله معه ، فماذا يخشى؟ يقينا سينال المبتغى ، ويظفر
بالمراد ، طال الزمان أم قصر. والصبر من مرادفات الحكمة ،ومقومات السيادة،
وهو أمارة على نضج العقول، واكتمال صقلها، وكبر ذويها ، به يُستلذ العلقم ، ويهون المصاب ، ويعبد الله.
وفي حلقة هذا الأسبوع من قيامة عثمان، لم يُعجب سيّد الدراويش (أديب علي) بتصرفات السيد عثمان ، ورأى أنّ عثمان المنتظر لم يزل صغيرا
بعد ، ووصفه في لقاء سابق بقليل الخبرة ، وقال: ” إنّ المتسرع قليل الصواب والنفع ، كثير الخطأ والزلل ” وقد أعلم عثمان ذلك الدرويش المسمى ” اكشا ” بعدم تفرغ الشيخ لحديثه حين قدم إليه ، ومنعه من الدخول ، وأخبروه بأن
الصبر باب الوصال.
نعم أيها الشيخ ، يستطيع عثمان أن يصبر على كل مصاب
يعترضه منذ أن القيت درسك ، وقد أعتذر لابن عمه بوران ، كما كنت تود وترغب، ويصقل لتوه على حديدة ونار المجرم سلفادور ، وقد يفقد كافة مقاتليه ،
وربما يفقد روحه ، عثمان العاشق وليس الغازي- أيها الشيخ- سيصبر اليوم على
ما لم تصبر عليه ربما أنت وكافة دراويش الأرض ، وستجد ذلك.
لكن هناك
شيء واحد لا يستطيع أن يصبر عنه عثمان، وليس بمقدوره الانتظار حتى عودة
أبيه ، وهو باب الوصال ، وأي وصال تريد يا عثمان ؟ أتظنون أنه يطمح ويطمع
في وصاله بالزعامة والسيادة كما هو حال عمه دوندار وعمته زهرة وابنهما
الأبله بوران ، لا ، ليس كذلك ، وإن أشارت لها إرهاصات الدراويش، وإن عاد
من الأسر سيبايع عليها دوندار ،حاله حال بامسي وسلجان.
إن عثمان لا
يبالي بتلك القيود والحبال اللاتي طوقوها بها ، بل يبالي ويهيم حيرة بقيود
السيدة بالا التي طوقت قلبه وخامرت فؤاده، لا يرى عثمان وصالا أجمل من وصال بالا ، ولا يجد صبرا عن وصالها ، حتى هي ترى بأن الصبر في باب جمالها
وضحكتها صعبا للغاية ، وإن انتظرت حتى آخر نفس لها .
لا صبر للعاشقين
في انتظار وصال من يحبّون ، وإن اقتنعت نفوسهم وأطمأنت إلى علمهم بأن
الرفاق منتظرون ، والعاشقون وإن افترقت أجسادهم ، فأرواحهم لا تفترق البتة ، وهي مجتمعة ومختلطة ببعضها أكثر من اجتماعها بعد وصالها ، يسرح العاشق في الذكريات كالمجنون ، يتذكر عبارات محبوبه ، ويرددها ، ثم يبتسم.
وتعقيبا على تلك الحلقة ، فإني أذكر سيد الكاي ، السيد دوندار ، بأنه أمام
اختبار صعب ، والسيد أرطغرل لم يعهد لك بالسيادة لجدارتك ورجاحة عقلك ،
إنما لكبر سنك ، وتوهمك أنك الأجدر ، ولم ينخر المرض كبده، بل نخره سذاجتك وحبك للمال وبيعك للأسواق، كما أنني أظن أن السيد أرطغرل ليس في المشفى
كما يقول عبد الرحمان ، بل هو على مقربة من تلك الديار .