- د. أحمد حمود المخلافي
يبدو أن المجتمع العربي ما يزال عالقاً، منذ عصر السلاجقة في القرن الحادي عشر الميلادي وحتى الآن، بين لجام الخرافة والفكر والتراث الراكدين، ومهماز العلم والتقدم والنهضة والحداثة والحرية.. وكلما حاول هذا المجتمع والنخب المفكرة فيه تحطيم اللجام وقعوا في شرك أدهى هو الاستبداد.. فكأنما قُضي على المجتمع العربي أن يظل عالقاً في ثنائية مدمرة هي ثنائية الخرافة والاستبداد.
حيث يفرق الانثروبولوجيون، في العادة، بين الأسطورة من جهة، وبين الخرافة والشعوذة، من جهة أخرى..
فالأسطورة: هي محاولة لصوغ منظومة معرفية أولية لتفسير الظواهر التي تستعصي على العقل البشري.. والأسطورة بهذا المعنى، تشتبك مع العقل، وتعد أُمّ التفلسف!
أما الخرافة: فهي ابنة العبادات الطوطمية القديمة التي ما زال صداها يتردد حتى اليوم، والتي نجد تعبيرها وحضورها في آلاف العقائد الشعبية المتوارثة، وهي أُمّ الكثير من حالات الشعوذة التي تغتذي من تواكل الناس وامتثالها القطيعي وانسياقها وراء السائد والموروث.. والخرافة بهذا المعنى، تشتبك دوماً بالخوارق والممخرقين، فهي كسر لقوانين الطبيعة، لذا فهي مستحيلة تماماً، لكنها شائعة لأنها عنصر من عناصر تكوين الطبائع الفطرية للناس. والخرافة ترافق العلم شبراً شبراً.. وهي وإن كانت في الغرب تعيش كسيرة ذليلة ومحدودة الأثر في فضاء من العلم والتفكير العلمي، إلا أنها في بلادنا تزاحم العلم، باقتدار، على أذهان الدهماء.. وعندما يكون العقل في إجازة تصبح الخرافة دين الناس وديدنهم.. والويل لمن ينكر الخوارق والممخرقين وأصحاب التمائم والعزائم وعفاريتهم وكباريتهم!