- كتب: نبيل الشرعبي
رحل محمد ذاك الشاب الثلاثيني المأزوم نفسياً بعفة روح الله المقدسة، فعليك السلام يا محمد والرحمة والخلود لروحك الطاهرة، فلقد كنت نحن العرايا والجوعى والمشردين والغرباء على أرصفة وطنهم.. لقد عشت مشرداً ورحلت مجهول الهوية إلا من إنسانيتك التي تكومت عليها ورحلت ونحن مثلك تماماً.. وكم هو موجع أن أكتب عن رحيلك ورحيلنا..
وفيما كان العالم يحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان، توفي محمد المأزوم نفسياً مساء يوم الأحد الموافق 8 ديسمبر 2019، على رصيف أحد شوارع العاصمة صنعاء وتحديداً جوار سور الجامعة الجديدة..
كل ما يُعرف عن هذا المأزوم نفسياً أن اسمه محمد، فقد كان يرفض التحدث مع أي شخص وكل ما يجيب عليه هو اسمه فقط، ثم ينصرف..
محمد عاش غريباً ورحل غريباً، اختار عزلة العيش وحيداً يتنقل ما بين مسافة محصورة بدأً من جولة الشهداء بشارع الدائري وحتي جوار سوار الجامعة الجديدة،ثرافضاً قبول أي مساعدة حتى الطعام كان يرفض قبوله وعندما يخلو الشارع يتسلل بصمت ويبحث في مخلفات النفايات عما يسد به رمقه وإن لمحه أحد يترك مكب النفايات ويمضي..
طوال حوالي 4 سنوات كنت ألمحه في كثير أيام بذات المنطقة سالفة الذكر، بثياب رثة للغاية وجسد نحيل للغاية ويغطي رأسه حتى منتصف جسمه ببقايا بطانية رثة هي كل ثروته..
كغيري حاولت دون يأس منحه طعام، ملابس، بطانية مما أملك إلا أنه كان يرفض على الدوام. قلت سأجرب طريقة آخرى وأضع مكان بقاءه طعام وغيره ولكني أجد في اليوم الثاني كل شيء كما تركته، وأكد لي عدد من سكان المنطقة حدوث ذات الشيء معهم..
كافتنا كنا نتوجع له، ولم يسمح لنا بمساعدته أو حتى معرفة من اين يكون.. “محمد” الكلمة الوحيدة التي سمعتها منه وكذلك غيري، كان ينطقها بخجل وصوت متهدج ثم يمضي..
محمد عاش سنوات على ذات الرصيف وسط تقلبات المناخ ولم يشتكي منه أحد لسوء تصرف أو فعل، بل الكل كان يحزن لأجله..
رحل محمد_ الشاب المأزوم نفسياً وحيداً ولم يكتشف أحداً وفاته إلا عامل نظافة كان يحاول تنظيف المكان..
كوم محمد جسده، ضم كاحليه على ساقيه واحنى رأسه ليلتصق بركبتيه ولفظ أنفاسه وحيداً..
رحل محمد ذاك الشاب الثلاثيني المأزوم نفسياً بعفة روح الله المقدسة، فعليك السلام يا محمد والرحمة والخلود لروحك الطاهرة، فلقد كنت نحن العراياء والجوعى والمشردين والغرباء على أرصفة وطنهم.. نحن مثلك تماماً.. فخالص العزاء لنا رحيلك..
- تنويه:
طوال سنوات حرصت على عدم إلتقاط صورة لمحمد حفظاً لإنسانيته فقد عاش مشرداً ومات مجهول الهوية في وطن يتنازعه تجار الحروب.