- ضياف البراق
قال لي أبي مرّةً إنّ ولادتي كانت غير مهمة. ما جعله يقول هذا، مرارات
الحياة القاسية التي لم تكن تفارق خُطَاه ولا لحظة واحدة. بالتأكيد ستظل
ولادتي غير مهمة. نعم، كان أبي، وسيظل إلى الأبد، صادقًا. غير أن أمي كانت
ترفض قول أبي رفضًا كاملًا، وتقول لي شيئًا آخرَ.
كانت أمي ممتلئة بالحنان والأمل أكثر من أبي، وكان هو أعمق منها في نظرته للحياة، وكثير المزاح والسخرية باستمرار.
عانقتُ أمي أكثر من أبي، كنتُ أعانقها باستمرار، أو أزعجها بإفراط، وقد ظَل قلبي الصغير، حتى لحظة الوداع الأخيرة، اللعينة، يسكنُ أعماقها الصوفية الدافئة جدًّا جدًّا.
والحقيقة أنني عشتُ أسوأ طفولة على الإطلاق: كانت تخلو من أشياء الفرح،
تخلو من الأمان والطمأنينة، بل تخلو من جميع التفاصيل الجميلة التي
يُحبُّها الأطفال. سأظل ألعن طفولتي وأحبها حتى آخر لحظة في حياتي!
بكل بساطة، لم أعش إلَّا بين مخالب الحرمان البشع، بين جحيمي أنا وجحيم القرية. وأنا صغير، كنتُ أُحبُّ النوم، والبكاءَ، والمطرَ، وأكره الموت، والجوع، ومشاكل البيت التي لا تنقطع. كنتُ أيضًا أُصلّي وأصوم وأقول الصدق، خوفًا من الله، وليس حُبًّا! أو بالأصح، خوفًا من عقاب المجتمع لا عقاب الله! فثقافة مجتمعنا التعيس تجعل علاقة الصغار مع الله، ومع المجتمع، ومع أنفسهم، مبنيةً على الخوف لا الحب، على العبودية لا الحرية، على النفاق لا الصدق، وهذا النهج الخاطئ هو برأيي إجرام جسيم بحق الطفولة والإنسانية معًا. في المدرسة أيضا، لم أجِد النور، ولم أذق طعمَ الجمال… في المدرسة تعلّمتُ الخوفَ، والعبث، والدوران المُقدَّس حول الوهم!