- لافتة احتفائية – بيس هورايزونس

في مشوار بدأ من أطراف قرية صغيرة في الأعروق بمحافظة تعز، شقّ المهندس محمد قاسم العريقي طريقه نحو واحدة من أهم التجارب الهندسية في اليمن المعاصر. فمن التعليم الأولي في “المعلامة”، مرورًا بالمدارس المتنقلة بين تعز والحديدة في سنوات الاضطراب، ظل يحمل شغفًا مبكرًا بالبناء ورغبة عميقة في صناعة وطن أجمل. وكان تفوقه بوابة العبور إلى القاهرة، حيث درس الهندسة المعمارية في جامعة القاهرة وتخرج عام 1978 حاملًا حلمًا كبيرًا سرعان ما تحول إلى مشروع حياة كاملة.
بعد تخرجه التحق بوحدة المشاريع التعليمية الممولة من البنك الدولي، وهناك بدأت أولى محطات التميز. نال دورات تخصصية في بريطانيا والولايات المتحدة، ثم شارك في أعمال إعادة إعمار ذمار بعد الزلزال، وهي التجربة التي عمقت إحساسه بالمسؤولية تجاه العمران والتنمية. غير أن وفاة زميله المهندس فؤاد محرم تركت أثرًا بالغًا في نفسه، فغادر العمل الحكومي متجهًا إلى تأسيس عمله الخاص. وهكذا انطلق نحو ريادة جديدة بين تعز وصنعاء، بدءًا من تأسيس “شركة المهندس للمقاولات” محققًا التصنيف الأول رسميًا.
ولم يقف العريقي عند حدود المقاولات، بل كان من أوائل من أدخلوا مفهوم الاستثمار العقاري الحديث إلى اليمن… أشرف على مدينة بنك الإسكان في حي حدة، ثم أسس “مدينة المهندس” في بيت بوس بالشراكة مع مجموعة هائل سعيد أنعم. وتتابعت المدن والمشاريع في صنعاء وعدن والحديدة، لتتجاوز عشرين مشروعًا عقاريًا وسكنيًا، نُفِّذ بعضها كمطور وبعضها كمستثمر مباشر. كما رسخ حضورًا هندسيًا ومهنيًا واسعًا عبر “سام يمن” و”دار المهندس” و”المطور اليمني”، مقدمًا نماذج متقدمة في التصميم والبناء والاستشارات وإدارة المشاريع.
ولأن الإعمار لا يكتمل دون معرفة، توجه العريقي بوعي يقظ إلى تأسيس عددٍ من الملتقيات والمنتديات المهنية، أبرزها منتدى البناء والتشييد، وأسهم في إصدار “مجلة المهندس اليمني”، أول مجلة هندسية متخصصة في البلاد.
كما شارك في تعزيز حضور اليمن في المعارض الدولية للإسكان والسياحة، وعُيِّن عضوًا في اللجنة العليا للمناقصات والمزايدات بدرجة وزير (2007–2012)، ليساهم في إعداد قانون المناقصات والمزايدات وكان من أبرز الخبراء اليمنيين في هذا المجال.
ورغم الحرب وما خلفته من خسائر قاسية — بما في ذلك احتراق مكتبه في صنعاء ونهب ممتلكاته في عدن — ظل العريقي وفيًا لروح العطاء. غادر اليمن مضطرًا عام 2015، واستقر لفترة في أرض الصومال متنقلًا بين دول القرن الأفريقي والشرق الأقصى، قبل أن يعود في نهاية 2020 بعد وفاة والدته. ومع العودة حمل مشروعًا جديدًا لاستعادة ما يمكن استعادته من ممتلكاته، ورسم أهدافًا استراتيجية جديدة، مستندًا إلى إيمانه العميق بقول النبي ﷺ: «إذا جاء أحدكم الموتُ وفي يده فسيلة فليزرعها.»
اليوم وبعد أكثر من 200 مشروع في التصميم والدراسات، و100 مشروع في البناء الصناعي والسكني والتجاري والتعليمي، و50 دراسة جدوى تطويرية، فضلًا عن مشاركات دولية من مصر والسعودية إلى دبي وتونس وألمانيا… لا يسعنا هنا إلا أن نحتفي بالـمهندس محمد قاسم العريقي كواحد من أبرز أعلام الهندسة اليمنية. رجل وزع عمره في عمران وطنه، ورسم بيده ملامح مدن ستظل شاهدة على بصمته… مهندسًا ومطورًا ومبدعًا، وإنسانًا نذر روحه للتطوير والإعمار ورسم الجمال على وجه اليمن.
فتحية إجلال وتقدير باشمهندس، مع دوام الصحة والعافية.





