
- عمار الأصبحي
رئيس التحرير
كالعادة، تجد الناشطة اليمنية توكل كرمان نفسها في قلب عاصفة الهجوم، وكأنها سبب الحرب والفساد والانهيار، رغم أنها لا تحمل أي منصب رسمي أو سلطة سياسية. ومع ذلك ظلت _ سواء اختلفنا أو اتفقنا معها _ من أوائل الأصوات التي حملت همّ اليمن ورفعت لواء الحرية والكرامة على مدى سنوات طويلة.
كلما برز طارئ سياسي أو إعلامي… تتعرض كرمان لسهام حادة من كل الجهات، في تجاهل متعمد لأسباب وجذور الأزمة التي تلتهم البلد يومًا بعد آخر.
مؤخرًا أعلنت قناة بلقيس المملوكة لتوكل _ والتي تبث من تركيا _ توقف بثها ؛ إعلان يكشف حجم الثمن الذي تدفعه هذه المرأة لقاء استقلاليتها. فالقناة التي صمدت لعقد كامل وسط حرب شرسة وضغوط متعددة، تجد نفسها اليوم معلقة بفعل «أسباب قاهرة»، في إشارة واضحة إلى التضييق الذي يطال كل نافذة إعلامية حرة وصوت مستقل.
ورغم ذلك… عاود أزلام العبودية حملتهم ضد الناشطة اليمنية الحائزة على نوبل للسلام، فيما يشكل غياب بلقيس انطفاء واحدة من آخر المنابر المستقلة، ويكشف مرحلة أكثر قتامة في المشهد اليمني، حيث تتراجع الأصوات الحرة تباعًا تحت ضغط سياسي وأمني واقتصادي خانق.
توقف قناة بلقيس يمثل خسارة لمساحة ظلت تنقل صوت اليمنيين إلى العالم من زاوية مهنية مستقلة، وتركز على الدفاع عن الإنسان اليمني وتغطية واقع الحرب والانتهاكات التي يسعى كثيرون لتجاهلها. فمنذ انطلاقتها شكلت القناة صوتًا يزعج جميع الأطراف ولا يمكن شراؤه أو تطويعه، وهذا وحده يفسر الحملات الممنهجة التي تُشن اليوم على صاحبتها.
الحاصل أن ما حدث ويحدث اليوم يضعنا أمام سؤال أكبر :
هل بقي في اليمن مكان لإعلام حر؟ وهل يستطيع أي مشروع مستقل الصمود أمام الحصار المالي والسياسي؟
وباختصار… التضامن مع توكل كرمان هنا ليس تضامنًا مع فرد ، بل مع مبدأ. إنها لحظة لا تستدعي الرثاء بل تستدعي الوقوف دفاعًا عما تبقى من صوت حر في بلد يتهدده صمت مفروض ومقصود.





