- يحيى الحمادي
الأوطان التي تَكره الحُب
وتَشمئزّ مِن الموسيقى
وتؤلّهُ تجّارَ الحروب والموت
لا تَرى الشاعرَ إلّا هاربًا من الجبهة
ولا تَرى شِعرَهُ إلّا رمادًا، لا يَصلح للبناء.
مثلما يَبكي القائدُ المغلوبُ أمام جنودِه
والراعي الخائفُ أمام قطيعِه
والأبُ الجائعُ أمام أطفالِه
يَبكي الشاعرُ أمام قصائدِه؛
يَخبأ رأسَه بين كتفيه
كمن يَحمل فضيحةً
أو سِلعةً محظورة،
ويَعيش في هذه الأوطان
كما يعيش البريءُ
في ساحة الإعدام.
مَن يَحرس اللغةَ إذَن؟!
مَن يَسقي شجرَ الحب
ويُطعم طيورَ الأغاني
ويَرفع عَمودَ الصبح
ويُمسك الدماءَ أن تَقَعَ على الأرض؟!
القيمةُ سَقَطَت مِن مَدارها
والحقيقةُ أصابها هَوَسُ الأقنعة،
والناس امتلأوا بالفراغ
وأتخِموا بالتفاهة والجدل؛
يَسكنون صناديقَ الذخيرة
ويُجادلون في كرويةِ الأرض!
يموتون جوعًا ورَكلًا
ويُنظّرون في كرةِ القدم!
يَقتل بعضُهم بعضًا
ويتصدّقون بالأكفان
راياتٍ بيضاءَ
وخيامًا للنازحين.
منذ بداية الخلق
لم تنتصر حربٌ واحدة
كُلُّ الحروبِ انتهت بالهزيمة
ما عدا تلك التي انتهت
قبل أن تبدأ.
في النهاية..
حين تَنطفئ الحرب
ويَبحث الناسُ عن الدفء
لن يَجدوا سوى روحِ الشاعر
تَحترق لأجلِهم في صمت.
روح الشاعر…
ذلك الرماد، الذي لم يَصلح للبناء
لكنه أبقى الدفءَ حيًّا
في العظام.