- محمود ياسين
ليلتنا الاخيرة يا قريتي وليالي فيروز
هنا فقط ،
هذا المكان من السطح فكرت كثيرا كيف ينسحب الليل على احلام مراهقي القرى
هنا بالتحديد تمام التاسعة من كل مساء في التسعينات كنت اسمع ماجد سرحان وهو يقول : وهذا ماجد سرحان يحييكم من لندن
تزوجت وامضيت السنوات الاولى في المكان الذي لا يكترث الان لرحيلي غدا
هناك قرات مجموعة تشيخوف كاملة وهناك شاركت ديستويفسكي وجعه من مرض ذات
الرئة ، في كل ركن تجربة وومضة انسان آمن بالكتب وبالبشر المختلفين ولم
اصدق تجارب الحياة يوما
بقيت متمسكا بإشارات وتعاليم الكتب مغفلا شروط حياة قاسية على عودي اللين
الان ، تومض لمبات من سوق المجمعة ، هناك في المجزارة قتل نعمان بن خالتي ، نعمان الذي ارعب المنطقة والتقطته رصاصة وكانت امي من هنا تصرخ : يا
قهري عليك يا نعمان
احرقت خالتي محسنة القرى لاجل نعمان المغدور وحيدا يتفحرر في المجزارة وقد قتلوه من الخلف ، ممتلئ قصير محتدم وخزينة مسدسه
الروسي ترطع بمقبض الآلي في مشية المكتنز وكأنه يمضي على إيقاع وعود الموت
بأمجاد الشجاعة ، كان بطلي الذي بقيت صامتا ومخنوقا بفجيعته حتى صرخت ”
ضباع “في مسلسل الزير سالم : واحسرتي عليك يا كليب ، عندها فقط تدفقت دموعي وفكرت في خالتي محسنة وهي تتدفأ بالشمس عمياء وذاك المصب بين انفها
وملامحها عريض مثل ساقية تحت انف لبوة جريحة ، وجدت لنعمان ليلا وهزة مسدس
في رواية تبادل الهزء. واطلقت عليه اسم ” خالي صالح” في رواية قبل ان اقتل
رويدا ، وها انا اقف امام العالم وحيدا في ليل الدنوة بلا ظهر بينما يتضور
قلب ابن خالتي وبطلي الفولاذي في المجمعة التي تراني هي الان الى جبا
بيتنا وتهمس : نعمان ينازع والالي في الزقاق ،، من هنا تعلمت التحديق في
ليالي القرى والاصغاء لحشرجات المولدات الاخيرة ونباح كلب وحيد في شتاء
الدنوة
كنت أقاسم الكائنات سحرية العين العاشقة في قلب الظلام ، كان
قلبي رطبا وذراعي قاسيا وها انا اتقدم في العمر يا قريتي ولم أعد أجد لي
عندك زاوية للسكينة ولا ليلا للتأمل
غدا اسافر يا الدنوة ، احتفظي لي بأي شي جيد قد يجعلك تمنحيني حق العودة يوما حيث أموت بهدوء وبلا صخب .
أذكر وأنت تهمسين في أذني وأنا من هنا أراقب أضواء سيارات نقيل سمارة :
اطلع صنعاء ، هناك ستجد طموحك وتجدني في انتظارك ، لا أنا حققت طموحي في
صنعاء ولا أنت بقيت كما أنت يا الدنوة ، وبينك وبين صنعاء قلب فتى تمرس
باللذات وضل طريقه.
قبلاتي لجدران البيوت يا الدنوة ، لجذوع الساج وللريح في لياليك القارسة.
للأبواب التي صدئت أقفالها على صمت من مات من ساكنيها وعلى صمم المارة في الليل
كنت أهرب منك إلى رجاح ، لكنني وجدت دفئي وشاعريتي في تأججك الليلي يا ” قرية الريح”
الساج يهتز على خيال من ظلال منارة الجامع
الكلب يعوي منذ قرون ، النوافذ والصمت والريح ، أهذا كل الذي تبقى منك؟
غدا سأكون في صنعاء حيث لا ساج ولا جهة للوقوف قبالة الليل ، من هناك
سأخبرك كل الذي ينقصني لأظل قرويا في مدينة تتنفس داخلها كل القرى.