مراكب الضوء.. عمل إبداعي جديد للروائية اليمنية نجلاء العمري
- كتب / محمد ناجي أحمد
بعنوان تعبيري، ولوحة غلاف بذات الدلالة ،فيها أشجار باسقة بشموخها دون أوراق ،وضوء ساطع يملأ حيزا كبيرا –صدر كتاب (مراكب الضوء) لـ (نجلاء العمري) عن دار كنوز –عمان -2017م، تحت تصنيف (رواية).
وقد سبق أن صدر للمؤلفة مجموعتان قصصيتان الأولى بعنوان (أوجاع بنكهة الليمون)2001م، والثانية بعنوان (قلبك يا صديقي)2007م، ولها رواية حازت على المرتبة الأولى بجائزة العفيف،عام 2002م بعنوان (ذاكرة لا تشيخ ) أردفتها بالجزء الثاني من هذا الكتاب الذي نحن بصدد قراءته.
تدلج الساردة إلى عملها هذا بعتبتين تحيلان دلاليا إلى خطاب الكتاب، عن فقدان الأب وعن الأم، ونصف ذاكرة، وعن الحب والتوق والموت والحزن، والأحرف المنقوشة كالوشم “حافلة بالحكايا والوجع”.
كتاب (مراكب الضوء) تأملات سردية عن الحياة والموت، وتفاصيل عن المرأة، والمجتمع الذكوري، وتخليق المرأه وفقا لسماته الجمعية، من تشكلها جنينا إلى اللحد، عملا بالقول المأثور اجتماعيا بأن المرأة لا تخرج إلاَّ إلى بيت زوجها أو إلى قبرها “أنت امرأة ؛أي عليك ألا تتشبهي بالرجال، يجب ألا تكوني عنيدة، الرجل لا يحب المرأة العنيدة ..سوف تصبحين عانسا أو امرأة مطلقة ..وأنت شرسة ،والمرأة يجب أن تكون هادئة وديعة ولطيفة.
-تقول دائما (نعم) (ولا تقول كلمة (لا) المقرفة التي تكررينها منذ ساعة “ص21-22.
هو كتاب عن الذات الأنثوية المغلولة بلغة ذكورية مهيمنة رغم التوق إلى الخلاص، عن الحرية المكبلة بالتربية، والوعي واللاوعي الجمعي والفردي، وشروط حاجبة لها في ذات المجتمع وذات الساردة الخارجية كصوت يتماهى مع السارد الداخلي لهذا العمل.
قلق الحرية في رغبتها الأنثوية الرافضة لقولبة وتخليق الرجل لها، وفقا لرغباته ومواصفاته “كنت أدرك بعقلي الصغير حينها أنني عندما أعارض أكون شخصا مختلفا ولافتا، أكون ذات أهمية، وعندما كبرنا صارت (لا) لعنة علينا”ص22. هي الـ(لا)وقلق الاختلاف، في محاولة ليست بالتأكيد منفلتة بشكل كلي من الـ(نعم)المجتمعية، لكنها تعبير عن احتياج ورغبة فردية، تتمرد على لجام المجتمع الذكوري، دون انفلات منه، كجملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب، في سياق اجتماعي ذكوري، يعشق الامتلاك، وترويض الجامح “لذا يعشق الرجل المرأة القوية حتى إذا ما امتلكها كانت تلك الكلمة الساحرة أشد قبحا من أكثر الكلمات قذارة، وغدت تلك القوة شرا وعيبا يقدح في أنوثة المرأة، ويثير فنون العدوان ضدها، وكما فتنته بجموحها وثورتها سيرفضها للسبب ذاته، وربما لأنه تربى على أن المرأة هي السنبلة التي تنحني بينما الرجل هو الريح االجامحة المجنونة”ص23.
هو المجتمع الذي لا يحب المرأة المجادلة “أنت امرأة ،عليك الابتعاد عن الفلسفة والسفسطائية “ص23.المجتمع /الذكر الذي يخاف ندية الأنثى “أنا أخاف من المرأة التي تضع رأسها برأسي “فكيف بها وقد أرادت أن تصبح أفضل منه “إنها تحاول أن تصبح أفضل مني، تقارعني الحجة بالحجة ،لتحيل البيت إلى جحيم، وهكذا هي المرأة المتعلمة “ص24.
الاختلاف (جحيم ) والنموذج الذي يريده الرجل هو بمقاسات “زوجة عمي ،لا ترفع صوتها ،لأنها امرأة ،لا تقول له لا وليست لها رأي لتبديه.
-هكذا أُفضِّل أن تكون زوجتي”ص24.
تتقابل الأصوات المتعارضة داخل الذات ،في حوارها المتَّقِدْ مع الوعي العام للمجتمع ،ومقاسات الجمال الذكورية “كيف يتسنى لشخص ما أن يعيش غير راض عن نفسه ..شكله الخارجي ..طوله ..عرضه..ملامح وجهه .شعره وحتى صوته وحركاته”ص31.
ويأخذ (الانحناء) فلسفة مختلفة في هذا الكتاب،إنه الانحناء للمطلق ،المجرد ،وعدم الالتفات للنسبي في تغيراته الفانية “ما أجمل أن يظل المرء منحنيا طيلة عمره !أنه انحناء الاستغفار والتطهير من الخطيئة ،انحناء التسامي والاقتراب من الحقيقة الباقية، رائحة الأرض والعرق..الحياة والموت ،السكينة واليقين ،والحب الذي لا يعرف حدودا ولا ملتقى”ص38.
حين ترفض قيود المجتمع، فعليك أن تواجه صفعاته، في مواجهة بين احتقاره لمشيئتك وكينونتك، وبين إصرارك على أن تكون أنت كما تريد أن تكون “حينها تلقين أول صفعة ..وبالحذاء ،خلع عمي حذاءه وصفعني على وجهي، مزيدا من احتقاره للمشيئة التي خلقتني أنثى، وكانت الأنثى في رأيه مجرد حمار عليه أن يتحمل صفعات الحياة وسيادة الرجل الطاغية …من المؤلم أن تحاط بثلاثة قيود:قيد الجسد، وقيد الأنوثة، وقيد المجتمع الظالم..”ص43.
الحزن والصمت
الحزن في هذا الكتاب له فلسفة ترادف الصمت والانكسار الذي يتسرب إلى “قاع قلوبنا “وينغرس” في أوردتنا وشرايننا..لذا كلما ضحكنا عدنا للصمت بعض ثوان.. تشرد في حزن ثقيل لتعاود الضحك بدموع ملحة وراكدة”ص45.