- ضياف البراق
حين لا أُحب لا أكره، وحين أُحب، أيضًا لا أكره. لا أعداءَ لي على الإطلاق. عدوّي الوحيد هو أنا نفسي. أهاجم الأفكار والسلوكيات التي لا تعجبني وفي الوقت نفسه أُحب أصحابها وأرجو لهم الخير. لا أكره أحدًا، ولا ألهث وراء أحد لأهزمه أو لإيقاعه في حفرة أو وجع أو نكبة ما. لا أُحب أن أنتصر على أحد ولا تروق لي هذه الفكرة الوسخة: النصر. الحياة هي نكبتنا جميعًا، وكلنا مهزومون بها وفيها، شئنا أم أبينا، ولذا علينا جميعًا أن نتعانق ونتوحد من أجلنا جميعًا. أعيش بقيم مطلقة أؤمن بها حتى النخاع، وآمل أن أموت وأنا متشبثٌ بها وفي مستواها. الأشياء التي تعجبني والتي لا تعجبني، أُحبها جميعًا، أحبها إمّا بصدْقٍ أو بكراهية، لكنني أحب العيش لوحدي ومع وحدي. العزلة تجعلني أنغمس في كل شيء، وألتحم بالوجود كله، إلى درجة أحب معها كل شيء. أنقى وألذ حب، الحب الذي ينبعث من صميم العزلة.
أدفأ امرأة هي الكتابة. الكتابة أيضًا هي أعمق من الموت. أمّا الحياة، فليست عميقة أبدًا. القتْل الذي يجري دومًا هو تسطيح خبيث لجوهر الحياة، تسطيح يجعل الحياة بلا معنى وبلا قيمة.
نعم. أحببتُ وعشقتُ نساء كثيرات، لكنني لم أُسيء ولا مرة لواحدة منهن ولم أَفُزْ ولا مرة بواحدة منهن، وهذا الخسران الفادح بالنسبة لي هو أشرف انتصار حققته أنا ضد نفسي حتى اليوم. في حالة الحب بالذات، لا أحد يفوز بأحد، وهذا ما يجعل الحب محل اهتمام وصراع الجميع. فالإنسان بطبعه يعشق العذاب ويجد فيه سعادته. الحب ليس عذابًا، بل أسوأ من ذلك بأميال، والعظيم هو من يموت في الحب أو من أجله. الحب يستحق كل جنوننا النقي. بل إنَّ الحب هو الحقد ذاته، الحقد على شخص ما، أو على أي شيء. الشخص الوحيد الذي يحبك بصدق، هو ذلك الذي يحقد عليك، قليلًا أو كثيرًا. هذا الشخص، أو الحاقد، فلتحافظ عليه جيدًا، ومن الآن. التعلُّق الحقودي بشيء، أي شيء، هو أعمق حب في هذه الحياة.
الشخص الذي ينشد
الفضيلة دومًا أو يتحدث عنها باستمرار؛ هذا الشخص نفسه هو أكثر من يصيبني
بالرعب والقرف. إنه، في هذه الحالة المريضة، يمارس الإملال الشنيع بحقي،
يقتل شغفي نحو الحياة. الفضيلة هي الاعتدال لا غير. كُنْ بين بين، في
حياتك، وهذا برأيي هو الجمال الحقيقي الذي نحن جميعًا بحاجة ماسّة إليه.
الشخص الذي يقول الصدق دائمًا، هو أتفه كذّاب. قَوْلُكَ الصدْق دائمًا
دائمًا، شيءٌ مقرف جدًّا. كذلك الشخص الذي يكذب دائمًا، أيضًا مقرف، مقرف
جدًّا. الشيء الرائع هو الجمع بين الصدْق والكذب، خلط الأضداد ومزجها في
قالب واحد. أمّا الكذّاب الأكبر، مِنّا، هو الشخص الذي يقول إنه يحب كل
النساء.
المؤمنون بالله والملحدون به، جميعهم أثبتوا لنا شيئًا واحدًا: أنَّ صراعهم الانسحاقي الكريه ليس حقًّا يدور حول الله، كما يدّعون، بل حول الحياة، حول السلطة أو العبث. كل ما يحدث هو محض ادّعاء، محض زيف ونفاق. إسالة الدماء باسم الله هي أقذر لعبة دارت وتدور في هذا الوجود. إلى متى سيستمر هذا الصراع الغبي، الدموي، المرعب؟ تصالحوا أولًا، تجدوا الله حقًّا. كل صراع عنفي يحدث حول الله، أو من أجل الله، هو عدوان قبيح على الله والإنسان معًا، هو تقتيل يستهدف الحقيقة والإنسانية والحياة. صراع خطير، كهذا، فإنّ الخاسر الوحيد فيه هو: الإنسان، وحده. ومع كل هذا، لا ضير، لن أقلقَ، كل شيء يعجبني. أنا على الدوام بحاجة إلى كل شيء لكي أستمر. وأنت أيضًا.