- شوقي شاهر
عندما نتحدث عن الذكرى الـ57 للـ 30 من نوفمبر، فإنه يجدر بنا أن نستهل الحديث بالتساؤل الذي مفاده: هل يمكن للتاريخ أن يكرر نفسه؟.. الإجابة أيضاً تفرض نفسها بالقول: ولِمَ لا، طالما وأن الأحداث ذاتها تتكرر، وإنْ كانت بصور وأدوات مختلفة ومتعددة، بينما الوسائل والأهداف هي ذاتها تكرر نفسها، وتعود دون أن تذهب؛ ذلك أن غيابها لا يكون غياباً كاملاً طالما أن أدوات تحقيقها تبقى كامنة فتتأهب للعودة حالما تواتيها الفرصة فتظهر من جديد لتمارس دورها خلال مراحل مختلفة، ولكن بأدوار قد تبدو جديدة، بينما هي في الحقيقة لا تختلف عما كان يدور خلال مراحل تاريخية سابقة..
وهذا الحال ينطبق بكل تفاصيله مع تلك الشعوب التي طالما ذاقت ويلات الاستعمار، وإنْ كانت قد ناضلت ذات يوم لأجل الخلاص منه، إلا أنه -أي الاستعمار- قد عاد مجدداً ليباغت بعضها، وهذه المرة بأدوات وصور مختلفة، وفيما ظلت الأهداف كما هي، وفي مقدمتها استنزاف ثروات الشعوب وبث الفرقة والتجزئة بين أبنائها وتمزيق ما بينها من روابط، وتدمير مقدراتها وما استطاعت تحقيقه من إنجازات على طريق تقدمها وتطورها وتمكنت من بنائه بهِمة أبنائها خلال عقود..
واليوم وأبناء اليمن على أبواب الاحتفال بالذكرى الـ 57 للـ 30من نوفمبر ورحيل آخر مستعمر بريطاني، تتجسد أمامنا أروع معاني النضال ضد المستعمر البريطاني والتي تُوّجت بتحقيق الاستقلال في مثل هذا اليوم قبل 57 عاماً في أعقاب ثورة شعبية مسلحة تمخَّض عنها إعلان الاستقلال المجيد في الـ30 من نوفمبر عام 1967م.. ومع ذلك كان ولا يزال الاستعمار البغيض يتملكه الحنين للعودة للأرض التي لفظته ذات يوم، ولكن هذه المرة بأدوات جديدة يأمل من خلالها استعادة ما فقده يوماً ما من كرامة وسيطرة على مقدرات شعب ثائر لا يهادن ولا يلين تجاه كل ما يمت بصلة لوحدته وأرضه ومصيره..
فحَقَّ لأبناء الـ30 من نوفمبر تجديد الاحتفاء بهذا اليوم المجيد، لا سيما وأن الأرض والإنسان في هذا البلد العنيد يجددان العزم لانتصار الوطن، والعهد لدماء الشهداء، وعدم الرضوخ أو التنازل عن تلك الأهداف التحررية والنضالية التي بذلوا حياتهم ودماءهم لأجل تحقيقها، وظل أبناء شعبنا يحتفلون بها لعقود من الزمن وصولاً إلى يومنا هذا الذي يجدون فيه فرصة ماثلة أمامهم للتأكيد أنه لا تفريط بشبر واحد من هذه الأرض الطيبة، واستحالة أن تطأها تلك الأقدام المدنسة التي فرت ذات يوم، وهو ما ستذوقه في حال لو فكرت بالعودة مجدداً، وستواجه ذات المصير الذي واجهه من سبقوهم كدرسٍ لا يمكن للتاريخ نسيانه أو نكرانه.