- عبدالكريم الرازحي
(1)
كان قاسم الأهبل شخصًا مديد القامة في غاية الوسامة لكنه عنيد وسليط اللسان. وكان رغم كونه أبلهًا يمتلك شغفًا بالحياة ويعيش حياته بطريقة فذّة تجعل اهل القرية يحسدونه ويتمنون في سرهم لو أن حياتهم تسير بنفس الطريقة التي تسير بها حياته مع زوجته.
كان عمره خمسة وعشرين عامًا عندما ذهب إلى”بلاد الهبلان” وعاد منها بصحبة فتاة بلهاء اسمها: سعود.
وحين سالوه من تكون؟ قال لهم : زوجتي.
ومن فرط حبه لها كان لا يفارقها. وإذا خرج من بيته يخرج معها ويصطحبها في مشاويره ويمشيان في دروب القرية يده في يدها واصابعه مشتبكة باصابعها وكان الكل يستغرب ويندهش من جرأتهما ومن سلوكهما الغريب المخالف للتقاليد.
وفي طريقهما كان قاسم الاهبل وزوجته البلهاء يصخبان ويضحكان ويلهوان ويُقَبِّلان بعضهما ولايستحيان إن شعرا بالرغبة في الجماع أن يضطجعا في أي مكان ويشبعا رغبتهما وكان يحلولهما اشباعها في الهواء الطلق وفي الحقول بين الزروع أو في ظلال الأشجار وكثيرة هي المرات التي تم ضبطهما في بيت الولي شعلان وهما يمارسان الحب.
وعندما وصل خبرهما إلى السيد عبدالقادر قال له السيد يعاتبه:
– “لايجوز لك ياقاسم تجامع سعود في بيت الولي”.
قال له قاسم الاهبل:
– “سعود زوجتي ياسيد عبدالقادر، ومن حقي أجامعها في بيت الولي أو في بيت الله”.
وكان الناس يعذرونه ويقولون:
-“قاسم أهبل وليس على الأهبل حرج”.
لكن المعضلة التي وقفت القرية أمامها حائرة هو أن سعود البلهاء ذات العشرين ربيعا كانت في الليل تعوي مثل ذئبة وتصرخ بكل صوتها. وكانت صيحاتها أثناء الجماع تخترق الجدران وتصل الى مسامع الجيران وتوقظ النائمين. وكان الفقيه بحكم الجوار (بيته لصق بيت قاسم الاهبل) أكثر من يتأذَّى من تلك الأصوات. وكانت هند زوجته كلما تناهى إلى مسامعها صرخات سعود البلهاء يُجن جنونها وتفقد السيطرة على نفسها وتعجز عن كبح جماح شهوتها التي سرعان ما تتحول إلى غضب ساطع ضد زوجها الذي يتهجد في السقيفة وتقول متهكمة بصوت عال:
– “يقولوا على قاسم انه أهبل والاهبل هو اللي بالسقيفة”.
وكان الفقيه سعيد لشدة ماينجرح من كلامها يقطع صلاة التهجد ويهبط من سقيفته يضربها ويوسعها ضربًا.
لكن هندا كانت تواصل استفزازه بكلماتها وتقول له وهي تبكي من الألم:
– “انت بس تعرف تضربني لكن جماع ماتقدرش تجامعني”.
وكان كلامها المستفز يدفعه إلى مواصلة ضربها حتى أن اهل القرية كانوا إذا سمعوا صوت سعود البلهاء وهي تصرخ من اللذة توقعوا سماع هند وهي تصرخ من الألم.
(2)
كان صراخ سعود البلهاء قد تسبب في نشوب خلافات في أكثر من بيت وكان البعض يعيِّرون زوجاتهم ويقولون عنهن بأنهن باردات مقارنة بسعود البلهاء وكانت الزوجات يعيِّرنهم ويقلن عنهم بأنهم ليسوا برجولة قاسم الاهبل. وكانت الخلافات ماتنفك تحتدم بين الأزواج وزوجاتهم. وأما أحمد البُتِّي فقد راح يضغط على زوجته مليون ويطلب منها ان تصرخ اثناء الجماع وتفعل ماتفعله سعود البلهاء وكانت مليون ترفض وتزعل منه حين يطلب منها ذلك وتشعر أنه يهينها.
كان صراخ سعود البلهاء قد ايقظه من غفلته وجعله يكتشف بأن نكاحه لزوجته مليون نكاح باطل. وكان ماينفك يتذمر ويشكو منها ويقول بانها طول النهار تصيح وتصرخ وتصدّع رأسه بصراخها وطلباتها وفي الليل وهو يجامعها ويمتِّعها تسكت وتلوذ بالصمت.
كان من حين تزوجها يضيق بصمتها أثناء الجماع وكان يكتم ولايتكلم لكنه بعد أن احضر قاسم الأهبل زوجته البلهاء وبعد ان سمع صراخها وتأوهاتها راح كل ليلة يطلب منها ان تسمعه صوتها ويقول لها:
– “سمِّعينا صوتك يامليون خلَّينا أحسن انك مرة”.
– وكانت مليون تقول له:
– “عيب هذا الكلام مُوْنِيْ قحبة !!”.
يقول لها: وهل سعود بنظرك قحبة ؟.
تقول له: سعود هبله..
وبعد أن تعب معها ويئس منها راح يخيِّرها بين الصراخ أثناء الجماع وبين الطلاق وقال لها:
– والله لو ماتصيحي يامليون وتسمعينا صوتك لا أطلقك مليون طلقة”.
واعطاها مهلة لمدة أسبوع.
وشعرت مليون بأن زوجها جاد لا يمزح فكان أن ذهبت تستفتي الفقيه وتساله عما إذا كان الصراخ أثناء الجماع حلال أم حرام !!.
وقالت له وهي مستحية وبصوت خفيض لايكاد يسمع:
– “اجيتو يافقيه لاعندك تفتيني”.
وسألها الفقيه وقال لها: بمو أفتيك يامليون؟.
قالت له مليون:
– “الصياح وقت الجماع حلال يافقيه وإلا حرام ؟!”.
واسترجع الفقيه لحظتها صرخات سعود البلهاء وتهكم زوجته عليه، وقال لها بصوت عالٍ وبنبرةٍ حادة:
– “حرام يامليون حرام.. المرأة التي تصيح وقت الجماع تلعنها الملائكة في السماء” واردف قائلا لها:
– “الملائكة تفرح عندماتسمع صوت المرأة وهي فوق السجادة وتغضب عندما تسمع صوتها وهي فوق القعادة”.
لكن مليون كانت تحب زوجها أحمد البُتِّي وتعرف أنه عنيد وتخشى أن يطلقها إن هي واصلت رفضها وكانت بحاجة إلى فتوى شرعية تجيز لها الصراخ ولشدة رغبتها في الفتوى المطلوبة أخرجت من جيب صدرها ريالين فضيين وقالت له وهي تناوله:
– “اني فدالك يافقيه اندي لي فتوى مليح أحمد يشاني وقت الجماع أكون اصيح”.
وصاح الفقيه وقال لها:
– “لا يامليون. الحرام حرام سعود بنت هبله لكن انت الله خلق لك عقل”.
قالت له مليون: “لكن يافقيه ربي والملائكة شغضبوا علي لواني عصيتو زوجي”.
لكن الفقيه راح يحاصرها وينفخ في شعورها بالذنب وخرجت من عنده وهي مرعوبة وفي حالة نفسية صعبة وعندما تدخلت امها وخالاتها وطلبن منها أن تلبي طلب زوجها قالت لهن وهي تجهش بالبكاء:
– ربي مش راضي لي.
وفي نهاية الأسبوع أفاقت القرية على خبر طلاق مليون وألقى الرجال باللوم على الفقيه سعيد وقالوا بأن فتواه هي التي تسببت في الطلاق وألقت النساء باللوم على سعود البلهاء. واتهمنها بأنها السبب في طلاقها ورحن يوبخنها على تلك الأصوات التي تطلقها في الليل اثناء الجماع ويقلن لها:
– “عيب ياسعود تصيحي وتسمِّعي أهل القرية وتقيِّمي الرقود”.
وبكت سعود البلهاء من توبيخ النساء لها وقالت لهن وهي تبكي بأن الأمر ليس بيدها وأن تلك الأصوات التي تصدر منها اثناء الجماع تصدر غصباً عنها وبدون رضاها.
وحين أبصرنها تبكي قالت العجائز لنساء القرية اللاتي رحن يوبخنها:
– “مش برضاها يا نسوان”.
وكان للعجائز تفسيرهن لتلك الاصوات وقلن بأن جسد سعود البلهاء جسد شيطاني والأصوات التي تصدر عنها أصوات شياطين يقيمون في جسدها لكن فازعة نفت أن تكون تلك الأصوات أصوات شياطين وقالت لنساء القرية بأن سعود البلهاء أنثى كاملة لاعيب فيها وأن الصراخ الذي يصدر عنها أثناء الجماع ليس صراخ شياطين يقيمون في جسدهاوانما هو صراخ الأنثى وقالت لهن بمامعناه:
– “مادام المراة تصرخ من الالم عندما يضربها زوجها فالأولى بها أن تصرخ من اللذة حين ينكحها ويمتِّعها”.
وبدلا من أن تلقي باللوم على سعود البلهاء ألقت باللوم على فتوى الفقيه وقالت لهن:
– الفقيه يانسوان قليل عقل كيف يفتي ويقول لمليون الصياح وقت الجماع حرام ويخليها تعصي زوجها وهي حلاله”.
وحتى تقنع النساء اللاتي صدقن فتوى الفقيه بأن الصراخ أثناء الجماع حرام قالت لهن:
– “الحجر يانسوان وهو حجر لو وقع فوقه حجر يصيح”.
وكانت الشابات منهن قد اقتنعن بكلام فازعة وقلن لها:
– “كلامك صدق يافازعه الصياح وقت الجماع مش هو حرام ولاهو عيب بس نحنا نستحي”.
لكن فازعة راحت تشجعهن على البوح وعلى أن يُطلِقن العنان لمشاعرهن واعترفت أمامهن بأنها في شبابها كانت تصرخ بكل صوتها وقالت بأن صراخها كان السبب في اقبال الرجال عليها وفي انها تزوجت سبع مرات.
(3)
بعد أن طلق أحمد البُتِّي زوجته مليون راح أهالي القرية يضغطون على قاسم الاهبل ويطلبون منه إما أن يطلق زوجته سعود أو يذهب بها إلى السادة يعالجونها ويخرجون الشياطين من جسدها الشيطاني وخرج قاسم من القرية مصطحبًا زوجته وراح يعرضها على السادة الروحانيين في أكثر من قرية ويدفع لهم. لكنه بعد أن خسر الكثير من المال وبعد أن فشل السادة في إخراج الشياطين من جسد زوجته طلب منه أهل قريته أن يطلقها أو يعيدها إلى عند أمها في “بلاد الهبلان” لكن قاسم الاهبل من حبه لها رفض أن يطلقها أو يعيدها إلى “بلاد الهبلان” وعند مرور الدرويش عبد الحق بالقرية عرضها عليه وطلب منه أن يعالجها وحين سأله الدرويش عن مرضها قال له قاسم الاهبل:
– “لما اجامعها يا عبد الحق تصيح بكل صوتها”.
وسأله الدرويش عبدالحق وقال له:
– هل تصيح يا قاسم من الألم أو من اللذة؟.
قال له قاسم الاهبل بزهو:
-“تتحالي ياعبد الحق وتصيح من حلاوة نكاحي لها”.
قال له الدرويش:
– “زوجتك طبيعية يا قاسم ولاتحتاج علاج”.
قال له قاسم: لكن ماهو السبب ياعبد الحق أن زوجتي تصيح لما اجامعها وزوجاتهم مايصيحينش؟.
قال الدرويش: “النكاح نعمة من نعم الله ياقاسم وزوجتك تسبح بحمد الله الذي خلق هذه النعمة وصياحها تسابيح. زوجاتهم كافرات بنعمة الله لايحمدن ربهن على نعمة النكاح ولايشكرنه”.
ومن حينها راح قاسم الاهبل يرد على اولئك الذين ينتقدونه على الاصوات التي تطلقها زوجته ويقول لهم:
– “النكاح نعمة من نعم الله وزوجتي لما انكحها تسبِّح لله لكن زوجاتكم كافرات”.
وكان كلامه هذا يوجع الفقيه أكثر ممايوجعه صراخ زوجته البلهاء.
(4)
عندما عرفت نساء القرية بأن سعود البلهاء مثل زوجها قاسم لاتصلي ولاتعرف شيئًا عن الصلاة أعطينها سجادة تصلي فوقها وقميصًا ترتديه أثناء صلاتها وعلمنها كيف تصلي وماذا تقول في صلاتها ويومها عادت سعود البلهاء من مجلس النساء في بيت فازعة وهي في غاية الحماس وبمجرد وصولها البيت توضأت وارتدت قميص الصلاة وفرشت السجادة وجلست فوقها تنتظر سماع أذان المغرب وحين دخل عليها قاسم ووجدها فوق السجادة مرتدية قميص الصلاة غضب غضبا شديدا وقال يسألها:
– موتفعلي ياسعود ؟.
قالت له وهي فرحة مثل طفلة أُهدِيَت لها لعبة لتلعب بها:
– نويت أصلي ياقاسم
واخبرته بان نساءالقرية اهدينها قميص صلاة وسجادة تصلي فوقها وعلمنها كيف تصلي.
وعندها أندفع قاسم نحوها وهو في ذروة غضبه ومثل النمر حين ينقض على فريسته انقض عليها واقتلعها من فوق السجادة وقال لها وهو يلقي بها فوق سرير نومهما:
– “نحنا الهبلان ياسعود صلاتنا فوق القعادة مش فوق السجاد”.
يتبع…