- وائل جميل
كانت الساعة تشير الى العاشرة صباحاً.. سيارات المسؤولين تتوافد الى الموقف الخاص بها.. الحراسة المصرية تحوم في المداخل.. البشوات يتوافدون الى الداخل بربطات العنق تلك التي يحلم بإرتدائها مقاتلي الجبهات العراة في أرض المعركة من يموتون بأعناق حافية.. الأبواب مغلقة في وجه ملفات أحلام بلد يحملها طلبة تعساء من سنوات وأشهر ..يتنفسون الصعداء وهم يشاهدوا من يعبرون أمامهم.. أمام أعينهم المليئة بالأشياء الدامية تلك اسقطتها فضاعة الحرب أمامهم.. يتنهدون ثم يتربعون على الأرصفة المقابلة للسفارة، مع الكثير من التجاعيد والخذلان التي تحملها ملامحهم.. ملامح البلاد التي إليها ينتمون .. ولا أحد ينتمي إليهم في مصر!
يقول أحد الطلبة المتواجدون لزملائه.. كنوعاً من تعزيز الثقة في دواخلهم.
ـ هيييي.. لا تقلقوا
لقد فلح أصدقائنا في مواقع التواصل في توصيل الرسالة.. ها هي لجنة التحقيق التي وعدتنا بها رئاسة الجمهورية القادمة من الخارج.. فيما يخص عودة
منحنا الدراسية التي تلاعب بها ” السفير محمد مارم ” ليصرفها لمن يساندون
مكانته.. إستمرارية حكمه.. ليظمن منصبه وكسب الكثير من الولائات لبقائه
لفترة أطول.
ـ يقول زميل أخر..
وهل سيتلقى عاقبة ذلك عندما ينكشف أمره؟..ثم يختم قائلاً لقد كلفتني معاملة المنحة أكثر من قيمتها.
يقاطعه أخر من نفس المجموعة على نفس الرصيف :
ـ هييي أيها المغفل.. أتريد محاسبة ” السفير مارم ” على اعماله؟.أجننت !!.. ينهض ليضع يده على جبينه :
ـ هل ضربتك الحمى ..ألم تنظر إلى إبتسامه وفود اللجنة في وجهه وهم يدخلون معه.. جنباً على جنب الى الداخل؟
ثم يختمها غاضباً :
ـ إجلس.. ودعنا نشاهد كيف ستنتهي هذه المشكلة.
يقول فجاة طالباً جريح وهو يخرج أوراق من حقيبه.،ولحركة غير متوقعة منه، يسقط عكازه امام اعيننا، فتسقط احلامنا دفعة واحدة..
قائلاً وهو يلتقط عكازه.. دون ان يعير الموقف الصعب أدنى اهتمام .
ـ لقد حصلت على قرار المنحة من العام الماضي. هل سيعتمد؟ كان يتسأل بحيرة..
يجيبه طالب أخر ساخر، وهو يشعل سيجارة وينظر الى مبنى السفارة:
ـ هه.
هل اعتمدوا أسمك في قائمة العلاج.. ثم يغير الحديث مرعاة لمشاعره.. قراري
يبلغ من العمر ثلاث أعوام ايها الجريح .. لم افقد الأمل، ثم ينتفض في
وجهه.. لقد عملت في محل مفروشات..عملت منظفاُ في شركة، عملت مباشراً في
مطعم كشري.. ولا زلت أعامل عليها.. مابك مرتبكاً.. تفائل.. يخفي ملامحه
الدرامية تلك ثم يقهقه ساخراً:
أتعلم.. عندما تنهي من نضالك تلقي
العلاج ستدفع ثمن مطالبتك بهذه المنحة لعامين على الاقل.. مصيركم مضاعف
خصوصاً أنتم بنظرهم.. يتسأل الجريح.. من؟
السفلة السفلة.. ثم يخرج عن
النص..إن لم تخرج اللجنة الى حل، سأعمل بائع حشيش في احياء الدقي إن تطلب
الأمر.. لتوفر مصاريف إقامتي ليأتي العام القادم لـ أعامل.. لـ أعاود الكره مجدداً.. لن اتوقف.. كذلك انت لا تتوقف.. دعنا ننتظر لنشاهد ما سيحدث في
الداخل.. يشعل سيجارة اخرى ثم يلتفت لي فجأة..بعد ان لاحظ تركيزي على
حوارهم :
هيييي ما قصتك انت؟!
يتشتت إنتباهي للحظة.. ثم أستفيق..
هاه.. أتقصدني؟ اأسال مرتبكاً.. ثم أجيب.. هاه.. انا مثلكم.. ضحية التلاعب
بالمنح، لكني لست مثلكم بكل شيء..
يتسال، ماذا تقصد لست بكل شيء.. أجيب انا .. لازلت من هذا العام..
يقول ساخراً :
يهي.. عادك ” بحظن امك مطول “.. دخله شنطتك يا أيمن وهو يشير لصديقه..
أتحسس من رده لوهلة، استوعب مداخلته المنطقية جيداً.. أقهقه عالياً بملء
صوتي.. يشعل هو سيجارة ثالثة لي.. ها خذ.. إنظم إلينا.. مارائيك؟
لما لا.. انا مثلكم ..
ثم أقعد على الرصيف.. بجوار العديد من الطلبة الذين يحملون العديد من
القصص والمعاناة في بلد أخر من سنوات.. خصوصااً فيما يتعلق بجانب المنح
الدراسية التي يتم يتلاعب بها السفير هنا في مصر!
يسألني وهو ينظر الى نافذة السفارة.. وكأنه يشاهد حقيقة ما يحدث في الداخل.. ماذا تريد ان تدرس هنا..
اجيبه.. وانا اشاهد الى ما داخل النافذة نفسها..
” سيناريو وإخراج ”
يقهقه ذاك الساخر والدخان لا يتوقف من الخروج من رئته، سائلاً، ولما اخترت هذا التخصص بربك؟
ـلأسباب تخص ما داخل مخيلتي..
منها لأجل تدوين ما يحدث معهم هناك في الداخل ياصديقي!
يتبع ..