- كتب: جمال حسن
“ليلة مليئة بالنجوم” عنوان آخر لوحة رسمها الهولندي فان جوخ.
رسمها بعد أن أصابه الجنون، حتى أنه وجدها رديئة قبل أن يموت مجنونًا ومعدمًا دون أن يحظى بأي شهرة.
بعد موته، أصبحت أشهر لوحاته، بمجرد أن أعتبرها النقاد، واحدة من أعظم أعماله على الإطلاق، وبالتالي أصبحت أحد الأيقونات الفنية في فن التصوير. وبيعت بمبلغ قياسي، بينما صاحبها مات وهو يتضور جوعًا.
هل تستحق ذلك؟ على الأقل من وجهة نظري لا أجد فيها شيئًا مميزًا. بل أني سأعتبر فان جوخ وهو يعاني من الجنون، أحتفظ بحسه الفني حين لم تعجبه.
هنا يحدث أن يكون للتاريخ الشخصي، بما يثيره من حس متعاطف، دورًا في اضفاء هالة على فنان أو عمل معين.
لكن المناهج النقدية تضفي شيئًا من الترقيع على أي عمل فني، مخفية محركها الأساسي. مثل أن اللوحة توحي بالحركة بسبب التماوج “المبهر” للألوان. مع أن سبب ظهورها بتلك الألوان، كان على الأرجح، من وجهة نظري، بسبب انهيار صحته العقلية، التي نتج عنها ضعف في التنفيذ لحركة الألوان. وبالتالي ظهرت خطوطه طفولية.
وعلى رغم بساطتها وتلقائيتها، أظهرت تكلفا في إظهار التماوج المنعكس، وبصورة تشبه ألى حد ما إيحاء طفولي. ربما فان جوخ لم يكن يعوزه القدرة على الرسم بقدر أنه كان يعجز عن التحكم بذهنه المشوش، لذا لم ترق له اللوحة.
ذات مرة قال الموسيقي الفرنسي موريس رافيل، بأن بيتهوفن هو تاريخه الشخصي. بمعنى أن التعاطف والإعجاب بإرادته التي انتصرت على الصمم، كانت أكثر جانب أختلق هالته. ومع أنه لا يمكننا استبعاد وجود شكل من الهالة حوله بسبب ذلك، لكن أعماله مبهرة بالنسبة لي، ومازال من الموسيقيين المفضلين بالنسبة لي.
غير أن أوروبا، لم تكن بمنأى عن التعاطف، كممارسة مسيحية تقليدية. ولعل فان جوخ كان استعارة نقدية لصورة بيتهوفن. لا أكذب معرفتي بأن بيتهوفن وضع أهم اعماله وهو أصم، تركت لدي ذلك الأثر الخفي، مع أن الهامها الفني وبناءها الفذ أمرًا لا يخفى علينا.
لست مخولًا لأقول أن فان جوخ فنان ليس بالعظمة التي جرى تكريسها، بل هو كذلك لتأثيره الكبير في الفن، خصوصًا أنه ترك تاثيرا على طبيعة استخدام الألوان. لكني لست من معجبيه على الإطلاق، وهذا تصوري الخاص. أما لوحته هذه، لا أخفي بأني لا أجدها تستحق كل هذا الضجيج، ولولا بعض النزوات النقدية ما كنا لنلتفت لها أبدًا، كما أعتقد.