- جلال جنداد
حين تسرق عصابة وطن كامل بكل مقدراته وتراكماته دون ان ندري كيف! تمتد تداعيات هذه الحالة الأليمة في فرز رواسبها إلى كل المستويات المجتمعية والسياسية والاقتصادية.. ليس ذلك فحسب. بل وحتى النخب الابداعية الأدبية التي تدعي شمولية قدرتها المعرفية، واقتدارها على قراءة مايحدث بمعايير والتزامات وطنية وانسانية، يصبح لاوعيها من حيث لاتدري أيضًا مسكون بأبجديات المرحلة والمعترك.. معترك السرقة وتراشق الاتهامات وفي أبسط المنعطفات سرعان ماينضح لاوعيها المفخخ والمهزوم بتلك الثقافة الرديئة لأن هذا اللاوعي أستفحلهم أيضا وصار يساكن مسارات انتهازية وسلوكية هي الأخرى لاواعية واصبحت سرقة الوطن وافرازاتها من الهزائم محفزات المكنونات اللائيمة التي تختلج في أنفسهم وحساباتهم في الوقت الذي كنا نظنهم منزهين ومتعاليين!!.
في مطلع رمضان الحالي، روائي ناشيء (متخبط) أعتذر عن الكلمة بين القوسين، هاجسته مفردات لاوعية مرحلية بحصول سرقة لابداعه الروائي لصالح مسلسل درامي.. وقذف الاتهامات ضد قامات أدبية كبيرة ..!!.
قلنا مستوى عادى يتوقع منه ذلك في خضم هذا الانكسار الجمعي والفردي، لكن سرعان وفي غضون أيام قليلة ما تثبت لنا الأحداث توغل الهزيمة فينا لتشمل المستويات النخبوية الأدبية من الصف الأول التي تعد الضمير الوطني والوجداني المنزه عن السقطات وقدرة الهزيمة على استلابه.. لنجد شاعر كبير من جيل نهاية سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته يتهم شاعر وروائي وناقد من جيل التسعينات بقيامه بسرقة عمل له قبل أربعة وعشرين عام!!.
يا الله ماذا يجرى؟.
لقد تعودنا على استلاب ومناكفات النخب السياسية الحقيرة، وبكل ما لذلك من تداعيات.. لكن لم نتعود هذا السقوط والحقارات من نخب الابداع الأدبي!.
المأساه عميقه بحق، حين يتهم عبدالودود سيف زميله علوان الجيلاني بسرقة ابداعه نصبح نحن العاديين أمام معركة وهزيمة من نوع آخر أشد وأوجع وأكثر ايلاما من هزائمنا السياسية وقذاراتها ومعطياتها.. إنها أزمة ضمير فردي وجمعي في آن !!.
كنت دائما أقراء النص الشعري لعبدالودود سيف وأصقل به مرايا روحي.. حقًا كوني مؤمن أن نصه الشعري أعمق من نص علوان الجيلاني إلى حد ما.. وفي الوقت ذاته كنت انتشي بغزارة علوان الجيلاني، كونه متعدد الآفاق في النص الشعري والروائي والنقدي وكتاباته عن تاريخ الأدب!.
وهكذا ظلت ولازالت نخبة الابداع الابداع الأدبي.. هي ماتبقى لنا من أفق وضمير انساني ووطني وجمالي، في هذا المعترك المفصلي الذي نعيشه مكفنين بهزائم الساسة والسرق من أولي الأمر وأمراء الحرب!!.
أتابع بمعايير المهتم والشغوف كل نصوص عبدالودود، وأصقل بها روحي.. وأمتلىء واحتشد بغزارة علوان كشاعر وروائي وناقد ومؤرخ أدبي واجتماعي واعي، وأدرك التناقضات بين الاثنين، كأدباء كبار منذ ان دشن علوان كتاباته النقدية حول اشكالية التجاور والتجييل في ٢٠٠٩م تقريبًا، وظلت تلك المسألة وغيرها كثير مساحة مثاقفات وجدليات إبداع أدبي بين كبار وفقًا لمعايير الأدب وضميره.. لكن أن يصل الأمر لحد تبادل الاتهامات، فلا يسعنا الآن كقراء جيدين إلا نركلكم معًا إلى مزبلة السياسيين.