- كتب: جمال حسن
هل تجدون لحن “فات الميعاد” مفككاً كما أراه أنا؟ سأقول انطباعي العام عنه.
وانا اعيد الاستماع لأغنية أم كلثوم “فات الميعاد” شعرت بالخيبة مجدداً. لماذا؟
لحن الأغنية مفككاً، واحياناً شعرت بالانزعاج لوجود بعض اللمحات العذبة فيها. لكن لحنها وبصورة ما كلماتها. الأغنية من كلمات مرسي جميل عزيز، ولحن بليغ حمدي.
يلوح هذا التفكك في البداية، “فات الميعاد وبقينا بعاد…” لحن الأغنية على مقام راحة الأرواح، لكن سرعان ما يدخل لحن المذهب بمزاج بعيد عن المطلع السوداوي. لكن هذا عدم الترابط نلاحظه في الكتابة الشعرية، وتستمر كما لو كانت ابيات لا علاقة لها ببعضها.
الأغنية صدرت عام 1967 وجاءت معبرة عن سوداوية ذلك العام وإن غنتها أم كلثوم قبل النكسة ببضعة أشهر.
سنلاحظ ضعف الترابط في الخط اللحني، في أكثر من مرة. عندما تنتقل في الغصن الأول من بس انا نسيت الآلام، وتحديداً من “انا نسيته” إلى “ستائر النسيان” على السيكاه، يأتي اللحن معارضاً لما سبقه من لمحة رومانسية بثوب شعبي. وليس هنا المعضلة اذ نجدها في كثير من الألحان الشرقية. لكن مزاجا وأسلوبا، لا تتآلف مع ما قبلها. لولا الاعتياد على سماعها.
ونجاح الأغنية يعود إلى براعة بليغ في اضفاء عدد من الجمل اللحنية الشجية والعذبة.
فمثلاً نتساءل عن دلالة اللحن الراقص للساكسفون في مقطوعة الغصن الأول، ومسحتها البراقة على مقام الكرد، بينما اللحن يأتي كئيباً ومسترسلاً ببطئه. اقصد ما العلاقة بين حيوية الموسيقى وطابع الغناء الناشج والباكي.
تتكرر المسألة، لكن يشفع لهذا اللحن وجود الجملة العذبة على الصبا في موسيقى الوتريات للغصن الثاني، الذي تلعب فيه الكمانات تدويراً مغزلياً، بلمحة متأرجحة دون ايقاعات. بينما الجملة نفسها تتسم بحزن وشجن وعذوبة لافتة. رغم اني لا أحب هذا المقام لكن بليغ جعله مهضوماً لي هنا.
طبعا الغناء على الصبا “الليل ودقة الساعات تصحي الليل” سنأتي إلى تحول مرتبك يكشف عن تفكك النسق اللحني، عندما تغني “وقسوة التنهيد والوحدة والتسهيد” اشعر ان لحنه لا صلة له بما قبله. وهذا ليس له علاقة بالتحولات المقامية، اذ يستمر الغناء على الصبا. أي ان المشكلة لحنية بدرجة أساسية وليست مقامية رغم استخدامه عشرة مقامات في لحن الأغنية.
وتستمر المصيبة عند الانتقال من الصبا إلى العجم، لتغني “وعايزنا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يا زمان”. هذا التحول المفاجئ من تعبير الضعف والشجن على الصبا، غلى خطاب قوة مثله العجم، وهذا ما اراد ان يعبر عنه بليغ. لكن البناء اللحني مختل.
لعل تلك اللمحات من أسباب نجاح الأغنية، لأن المستمع لم يكن يبحث عن سياق متصل، اذ كثيراً ما اعتاد على فسيفساء تجميعي من الألحان المجمعة في الأغاني الطويلة.
ايضاً سنلاحظ هذا التحول المفاجئ وغير المدروس لحنياً عندما تنتقل من الراست إلى البيات، في “بيني وبينك هجر”. سنجد أن تلك الألحان التي اشرت لها، كان غايتها جذب المتلقي، وتحمل لمحات لحنية عذبة وجذابة انغرست لدى المستمعين، وكان لها دور في نجاح “فات الميعاد”. لكن بالمحصلة كان لحن الأغنية مشتت الأوصال، اضافة إلى البناء الشعري الضعيف وغير المتسلسل.