- عبدالرحمن بجاش
ها أنت ياصاحبي أخيرًا تطل بوجهك البريء،
سنوات طوال وأنا أبحث عنك، عن نقاءك المعهود..
تعرف ياسالم..
بحثت عنك في شارع علي عبدالمغني، عند لاهب صديقنا أبو السلتة، محمد وعبدالله أنبل من عرفنا، يمدون خيرهم للجميع..
حتى بائعات الملوج، سألتهم:
ألم يمر سالم ؟.
أطلت النظر إلى وجهي:
من سالم ؟
حدثت نفسي:
سالم ذلك البعثي النبيل الذي مر ذات يوم من هنا..
دمعت عيناي وهدير أصواتنا يلف معنا تلك الأزقة، وسعيد أنعم ذلك العبسي الجميل يضحك على كلب المساح، الكلب الذي استبدل الدراجة النارية التي صرفها له الاستاذ يحيى، استبدله بها من عبدالله البرح..
تذكر سعيد أنعم الذي كنا نضع تعبنا عنده في أستديو النجم حق علي أحمد عمر الذي أهلكه الأمن الوطني لمجرد أن سلطان أحمد عمر شقيقه !!.
مررت أمس على ركن ” نعمان محمد غالب لقطع غيار السيارات في شارع الزبيري”، وقفت طويلًا أتأمل للزاوية التي كنت تقف على أرضيتها، المحك من دكان صهري تبتسم، أدرك أن الجيب عامر!! تغيضني بأن تنزل بنظرك إلى نهاية الشميزالمرتفع، أدرك أنا أنك ” مُبوٍن “، أترك المكان نتوغل معا في أزقة الصافية المتربة بحثا عن المساح..
ندلف من باب البيت، هناك قاسم عبدالرب، هناك عبدالله البَرِح، هناك طه العزعزي، والمساح تحت البطانية، بمجرد أن يسمع وقع أقدام، حتى يصرخ بصوته المميز:
ياطه من أجا ؟
سالم وبجاش
معاهم بيس؟
أيوة مليان
يرمي البطانية جانبًا، ضاحكًا يوجه لك كلامه:
أكيد يا إبن …. قاسم سلام موجود، ونضحك،
نعيد يومين بما في جيبك ومن ثم نعود إلى قواعد الطفر سالمين !!.
***
ثمة أشخاص أنقياء التحقوا بالأحزاب أيام العمل السري، وظلوا طوال الوقت على براءتهم، بينما الآخرين ” يطلبوا الله ” على قولة عمنا العزعزي عبده ..
طه سيف نعمان دلف الى البعث من باب البراءة وذلك تجد تفاصيله في كتابه المهم ” من الذاكرة ” والذي كشف فيه وهو الوحيد ماكان يدور في أقبية الأمن الوطني، وأعلى في كتابه هامات رجال كباركانوا في المعتقل رجالًا كبار تساوي هاماتهم هامة جبل نقم !!.
عبدالله الواسعي والدكتور عبد المجيد الخليدي..
وفي الكتاب أسرار العمل الحزبي بتفاصيل تجعلك تفتح فمك عجبا وتعجب !!.
الأستاذ طه الذي كان هو الآخر بريئًا، ودخل برجليه إلى البعث ليكتشف المخبأ كما قال !!.
أنت الآخر كنت النزاهة بكل تجلياتها، تحلم بمستقبل آخر لهذه البلاد التي جاء حظك مبكرًا وغادرت حتى لا ترى بعينيك جريمة النخب بحقها..
كل الأحلام ياصاحبي وئدت، وكل ما كنا نفكر به معا غادر في طريق اتجاه واحد..
هل تتذكر؟.
ذلك الصباح الآخرجئت مبتسما كلما وجدت في جيبك بضعة قروش، تحرص على ألا تصرفها إلا مع صاحبيك، تلك المرة ثقل الجيب، قلت أنت:
يابن بجاش هيا.
قلت أنا:
ماناش معك ياسالم ،
بننزل تعز وعلي الشيباني ببابوره المرسيدس معنا..
أصريت انا :
مش جاي ياسالم..
تذهب ليس غاضبًا، مثلك لايغضب، بل ذهبت عاتبًا علي لأنني لن أشاركك ما في الجيب..
كنت ياصاحبي كريمًا حد العبث..
تعود والمساح بجانبك وعلي الشيباني يقود المرسيدس..
تؤشر، أعمل نفسي لم أنتبه، يصيح المساح من الخلف:
مالك ومال ابوه، هذا ابن شيخ مايتنازلش..
وفي الحوبان قذف بكم المرسديس إلى الساقية،
قال المساح وقد خرجتم سالمين:
” أولاد ….ملاطفين “
وانت كما قلت لي عندما عدتم والمساح واصل إلى العزاعز يزور أمه :
كيف حسيت اننا سنقفز إلى الاتجاه الآخر؟
ضحكت أنا، قلت لك:
جدتي عملت لي “حِرْز” عند السيد عبدالرقيب..
***
سالم محمد عوض، أو سالم الشيباني كما كان يحلو للشلة أن تناديك:
بالفعل كنت أبو الشباب، وأشهد أنك كنت تاتي والدمعة في عينيك، أقول:
مالك ؟.
ترد بتدفق مياه النهر:
وديتو أربعة يدرسوا في العراق
تفرح كأنه يوم عرس
لم أرى نبلا كنبلك،
الغريب ياسالم أن كل مكونات المشهد كانوا في بيت المساح يتعايشون:
الناصري على الماركسي على البعثي على العسكري وكل من خرج من الرادع أ القلعة، وهنا نقف اجلالا لعريمان والصايدي والعزعزي والصلوي وناجي وهيثم الحضراني والرداعي، وكل الجنود الذين قاتلوا وقدموا أغلى مامعهم ” حياتهم “، الحلم وحد الجميع رغم الصراخ الذي كان يعلو في أهازيع الليل المتأخرة عندما يحتدم النقاش..
وفي النهارات وحدهم جميعهم ” الطَفَر” ولذلك تذكركان الناصري يدور على قيمة الواحد الشاي في جيب الماركسي..
كانت لحظة مفعمة ياصاحبي..
لماذا اختفيت فجأة ياسالم ولم تخبر أحدًا..
سألت عنك، قالوا ” يَبْتُل ” في القرية ..
دوامة الحياة شغلتنا عنك، ربما..
لكنك لم تبرح مخيلتي..
لم أنساك..
لايمكن
كررت السؤال.
قالوا صاحبك غادر.. بكيت حتى الوجع.
أيها النبيل سالم،
نم بسلام.
- 22 مارس 2024