بنك الكريمي والمسؤولية الاجتماعية!

• عمار الأصبحي*

في ظل انهيار الاقتصاد وانفلات الواقع عمومًا، جراء تخلي الحكومة عن التزاماتها ودورها في النهوض الاجتماعي، تبرز حاجة ماسة إلى البحث عما يعزز قدرة المجتمع على المضي والدفع بعجلة التنمية.
هي حاجة موضوعية تستدعي إدراك المؤسسات التجارية أن السعي وراء الربح ليس هدفها الوحيد، وأن هناك مسؤولية ملقاة على عاتقها تجاه المجتمع الذي تنشأ وتعمل فيه، لا يمكنها النجاح والاستمرار دون تأديتها.

ما هي تلك المسؤولية؟
باختصار، هي الالتزام بالمساهمة في تنمية المجتمع ورفاهية الأفراد، من خلال ممارسات أخلاقية مستدامة، تشمل دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، دعم المشاريع الصديقة للبيئة (التمويل الأخضر)، دعم المؤسسات التعليمية والثقافية والمبدعين في مختلف المجالات، توفير الفرص لتعليم وتطوير الشباب، تقديم المساعدات للجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية… الخ.
قد يتساءل البعض: وما الفائدة التي ستنعكس على المؤسسات مقابل التزامها هذا؟
نقول هناك فوائد عديدة تحظى بها المؤسسات، فالمسؤولية الاجتماعية تعزز من ثقة العملاء والمجتمع بالمؤسسات، وتجذب إليها العملاء والمستثمرين، كما يشعر موظفوها بالفخر والانتماء لها، وإضافة إلى هذا كله فهي تحقق بالتأكيد الاستدامة البيئية والاجتماعية لأنشطتها التجارية.
نعم، قد تشكل تكاليف المسؤولية هنا عبئًا، خصوصًا لدى البنوك، في ظل التنافسية الشديدة في القطاع المصرفي، فضلًا عن صعوبة قياس تأثيرها وجدواها بشكل دقيق، إلا أن تلك التحديات تفرض عليها حقيقة مزيدًا من الوعي بأهمية المسؤولية الاجتماعية؛ وأنه لا مناص من تأديتها بشكل فعّال، وذلك كواجب أخلاقي ووطني من شأنه أن يحقق النمو الاقتصادي، ويعزز من استدامة أنشطة التجارية على المدى الطويل.
من هذا المنطلق، وفي ظل الأزمة اليمنية التي مازالت تلقي بظلالها على مختلف مناحي الحياة، حيث توسعت أنشطة مؤسسات تجارية عبثا، على حساب مؤسسات أخرى، وتضخمت أرباح بنوك، مقابل أنشطة وخدمات تدعي تقديمها لعملائها كخدمة لا سلعة، بينما هي تستبيح أموالهم بكل فجاجة، بمجرد أن يجري أحدهم أية عملية بسيطة في حسابه.
بادرنا مؤخرًا بإهداء بنك الكريمي ٢٠ لوحة تشكيلية، أنجزها عدد من كبار فناني محافظة تعز، ضمن أنشطة مشروع سابق، كنا أشرفنا على تنفيذه قبل سنوات، في مدينة تعز، بدعم من قبل منظمة دولية، ونتيجة للظروف الأمنية التي تعيشها المدينة، اضطررنا حينها إلى وضع تلك الأعمال الفنية في مخزن بحوض الأشراف، وهي اليوم معرضة لخطر الفئران.
حقيقة، لم نقصد إحراج إدارة بنك الكريمي، ونضعها في محك عملية بيع وشراء لأعمال فنية لا تقدر بثمن، وإنما حرصًا منا على عدم فقدان تلك الأعمال الفنية، إيمانًا بأهمية الفن كرسالة إنسانية يجب أن تصل، قررنا إهداءه تلك اللوحات، بكل محبة وثقة، باعتباره البنك الأكثر انتشارًا وتأثيرًا في اليمن، مقترحين عليه عرضها في عدد من فروعه.. احتفاءً بالفن، وتقديرًا للمبدع اليمني، وذلك مقابل أن نحظى بالضرورة على تفاعل مسؤول من قبل إدارته، وتقدير لائق بما يساوي على الأقل ثمن لوحة واحدة، مع أنها كعمل فني تعد أغلى وأثمن من أوراق النقود.
وعليه، لقد تفاعل معنا العديد من الزملاء، وتناولت مناشدتنا مواقع إخبارية عديدة، بهدف لفت نظر “أكبر البنوك اليمنية اليوم” إلى إدراك أهمية تفاعله في استدامة أنشطته وتحقيق النجاحات.
مع ذلك، يؤسفنا أن إدارة بنك الكريمي لم تبدِ حتى الآن أي تفاعل، على الرغم من علاقتنا الجيدة بها، وتعاوننا المشهود مع “إعلام البنك” في ترويج أنشطتهم المصرفية وتعزيز خدماتهم البنكية، عبر موقعنا الإخباري “بيس هورايزونس”، الذي التزمنا من خلاله بتقديم خطاب إعلامي بناء وخلاق، وشكل طوال السنوات الماضية رافدًا إعلاميًا مهمًا للعديد من المؤسسات التجارية والبنوك، ومنها “الكريمي”.
بالتالي، لا يسعنا هنا إلا أن نجدد -للمرة الأخيرة- دعوتنا إدارة “بنك الكريمي”، إلى سرعة التفاعل مع المبادرة بوعي يقظ، وتأكيد التزام البنك كرأسمال وطني بالمساهمة في التنمية الاجتماعية والثقافية.
وهي دعوة نوجهها أيضًا إلى مختلف مؤسسات القطاع الخاص، على أمل أن يستشعر الجميع مسؤوليته، بدعم هكذا مبادرات شبابية والمساهمة دومًا بدفع عجلة التنمية في هذا البلد، والسلام.

• رئيس التحرير