- بقلم: نبيل الشرعبي
مع استمرار الحديث عن هجرة أو هروب رؤوس الأموال من اليمن – وبالأخص من صنعاء – إلى الخارج، أقول بكل تواضع: كثيرون تحدثوا عن هذا الأمر، لكن لم يدعم أحد منهم كلامه بأرقام أو أسماء أو جهات أو تواريخ، أو أي معطيات تعزز حقيقة حصول هذا الموضوع.
صحيح أن الكثير سيجمع على أن رؤوس الأموال غادرت اليمن خلال سنوات الحرب، وكلٌّ سيضع مبررات تتناسب مع خصومته لطرف ما، وقد يضع أرقامًا كتوقع شخصي، لكن هل يستطيع أحد منهم ذكر أرقام دقيقة أو نوعية الأنشطة أو حجم المبالغ وفق بيانات صادرة عن جهات رسمية وموثوقة؟ لا يوجد.
الحديث عن استثمارات في مصر أو تركيا أو غيرها، هو في الأساس – أو كتوصيف أدق – في غالبيته ليس استثمارات هاجرت؛ أي لم تكن مشروعات قائمة في اليمن ثم غادرت، بل جاءت نتيجة نفوذ أشخاص تفردوا بأموال أو مساعدات، وبهذه الأموال قاموا بشراء شقق أو افتتاح مطاعم أو كافيهات وأنشطة قصيرة المدى، توقفت معظمها بعد أشهر قليلة. وما صمد منها لا علاقة له بهروب رأس المال.
ما تناولته وسائل الإعلام عن افتتاح رجال أعمال يمنيين لمشاريع في بلدان مجاورة لم يكن على حساب إنهاء نشاطهم في اليمن، بل يأتي ضمن توجه للتوسع في النشاط، لأن أنشطتهم داخل اليمن ما تزال قائمة وتمارس أعمالها بشكل كامل.
فعلى سبيل المثال، مجموعة هائل سعيد أنعم استحوذت قبل بضعة أشهر على شركة مصرية وأخرى إماراتية، ولم يكن ذلك على حساب إغلاق نشاطها في اليمن. بل إن هذا التوجه يأتي في إطار رؤية المجموعة الحالية والمستقبلية لتنويع محافظها الاستثمارية وتحقيق الانتشار بما يتواكب مع المتغيرات المتسارعة والانتقال إلى فضاء الاستثمار الرقمي، وغيرها من المجالات الحديثة.
كذلك، مجموعة الكبوس لم يكن توجهها نحو الأردن على حساب إيقاف نشاطها في اليمن أو نقل إدارتها، بل ما تزال أنشطتها قائمة، ويأتي ذلك ضمن توجه لتوسيع النشاط خارجيًا.
ولذلك، فإن كل ما يُقال عن “هجرة لرأس المال اليمني” والأرقام التي تُتداول بين حين وآخر، يؤكد أصحابها أنفسهم أنها غير مؤكدة.
وكمثال متواضع، نشر الزميل محمد راجح تقريرًا في موقع العربي الجديد مطلع شهر أكتوبر الجاري، جاء فيه بالنص:
“كانت الغرفة التجارية والصناعية المركزية بأمانة العاصمة صنعاء قد كشفت الشهر الماضي، في اجتماع لقيادتها مع كبار أعضائها، عن مغادرة نحو 200 تاجر العاصمة صنعاء بسبب تضررهم من قرار التوطين والمقاطعة، وهو ما يبدو وسيلة ضغط لإثناء الجهات المعنية عن قراراتها في هذا الاتجاه، حيث لم يتم التأكد من مغادرة هذا العدد من التجار كما قالت الغرفة التجارية والصناعية.”
تعليقًا على ما ورد في تقرير العربي الجديد، أقول بكل شفافية: غرفة تجارة صنعاء تعتبر أداة هدم للاقتصاد الوطني، لأنها تقوم بدور يتنافى مع وظائفها، ومع الانتماء للوطن، وتعد شريكًا في الترويج الكاذب لهروب رؤوس الأموال اليمنية. ولا مبرر لهذا النهج أبدًا، لأن مثل هذا الترويج يندرج ضمن جرائم المساس بالوطن.
ختامًا، يمكن القول إن رأس المال اليمني في غالبه غير مؤهل أصلًا للخروج أو الاستثمار الخارجي، لأن كثيرًا من القائمين عليه غير قادرين على المنافسة المبنية على الابتكار والتطوير والمواكبة للمتغيرات العالمية، التي تعتمد على الابتكار كأهم عنصر للاستثمار، قبل رأس المال ذاته.





