- كتب: د. محمد السماك
قبل رسم صورة عن تعدد أقليات المجموعات الإثنية في الوطن العربي، لابد من وضع هذه الصورة أولاً في الإطار الدولي الأشمل. فالدول، قد تكون موحدة أو متعددة الإثنيات.إن معظم الدول هي دول متعددة الإثنيات. وفي غالب الأحيان فإن لكل إثنية رواسب قومية تاريخية وتطلعات قومية مستقبلية. وأذكر على سبيل المثال دولاً كبرى مثل روسيا الاتحادية، والولايات المتحدة، وكندا. وفي قارة آسيا، الهند وإندونيسيا، وفي قارة أفريقيا نيجيريا وتشاد، وفي أوروبا بريطانيا وسويسرا وبلجيكا. وفي أمريكا اللاتينية البرازيل والبيرو.
وتؤكد الإحصاءات الدولية أن من بين 132 دولة ( جرى الإحصاء في عام 1972) هناك 12 دولة فقط ( أي 9.1%) تتمتع بوحدة إثنية، وهناك 25 دولة أخرى( أي 18.9%) تتمتع بإثنية واحدة كبيرة تشكل 90% من السكان، و25 دولة أخرى تتراوح نسبة الإثنية الواحدة المهيمنة عليها بين 75 و 89% من السكان. وتبين الدراسة أيضاً أن هناك 31 دولة ( أي 23.5% ) تتراوح نسبة الإثنية الواحدة فيها بين 50 و 74% من السكان و39 دولة ( أي 29.5%) لا تشكل الإثنية غير نصف السكان.
وتؤكد الدراسة وجود عدد من الدول تتعدد فيها الإثنبات، وتعيش هذه الإثنيات إما في حالة تفاهم أو في حالة تصارع .ومن هذه الدول 53 دولة يزيد عدد الإثنيات فيها على الخمس.
بعض هذه الإثنيات تحاول الانفكاك لإقامة شخصية سياسية وكيان خاص بها. وبعضها يحاول الاتصال بدول أخرى يعتقد أنه إثنياً يرتاح ويطمئن أكثر إلى مصيره معها.
ولقد كانت هذه التطلعات مصدراً أساسياً لتغييرات سياسية عميقة عصفت بالعالم، بدءاً من جنوب أوروبا في البلقان ( البلغار – اليونان – الرومان – الصرب – الأتراك ) الذين أرادوا الاستقلال عن الدولة المتعددة الإثنيات وهي الإمبراطورية العثمانية، حتى الحروب الثورية في الصين ( 1911- 1949).
أطلق الرصاصة الأولى في الحرب العالمية الأولى في 28 حزيران 1914 شاب صربي في مدينة سراجيفو يُدعى كافريلو برينسيبا أودت بحياة ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فرديناند وكان من نتيجة الحادث أن شنت الإمبراطورية النمساوية – الهنغارية هجوماً على مملكة الصرب، الأمر الذي أدى إلى سلسلة من الأحداث كانت الحرب العالمية الأولى ذروتها.
وبين الحربين العالميتين الأولى والثانية انتهجت ألمانيا الهتلرية سياسة توحيد الإثنيات الألمانية. فكانت الوحدة القسرية مع النمسا، وكان الهجوم على تشيكوسلوفاكيا تنفيذاً لتلك السياسة.
بعد الحرب العالمية الثانية تجزأت شبه القارة الهندية إلى دولتين هما الهند والباكستان . وفيما تواجه الهند اليوم خطر مزيد من التمزق من خلال حركتي السيخ في البنجاب وأهل كشمير، انفصلت بنغلادش عن الباكستان وأصبحت دولة مستقلة. وطالبت مقاطعة كتنغا الاستقلال عن الكونغو ( زائير اليوم) وانفجر الصراع التركي – اليوناني الديني الإثني في قبرص. كما تواصل انفجار الصراع الديني في إيرلنده الشمالية بين الكاثوليك والبروتستانت. وانفجر الصراع الإثني اللغوي في كندا بين الناطقين بالإنكليزية والناطقين بالفرنسية. وبين الفلامنك والوالون في بلجيكا، وبين الباسك والإسبان، وقامت حرب بيافرا في نيجيريا. وبعد انفجار الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا، ما عاد هناك حديث غير حديث القوميات والإثنيات التي تريد الاستقلال.
لقد كان من الضروري النظر من زاوية واسعة إلى صورة واقع ودور الإثنية في صناعة عالمنا المعاصر، كمدخل للتأكيد على خطورة استغلال الإثنية في العالم العربي، خاصة إذا ما وضعت هذه الإثنية في إطار ديني أو مذهبي، كما جرى في السابق، وكما يجري اليوم.