- د. عبدالعزيز علوان
استطاعت أن تشيد جسورًا للمجيء، بيد أنها جعلت بعضها معلقًا بين قوسي احتمالاتها في التواصل أو في الذهاب إلى أبعد احتمالات النوى..
أشارت إليه أن يتحسس، في شتات الطريق، خطاها، لعله يجدها بعدئذ قصيدة شعر سابحة كالطير في فضاء أشواقه، أو يلقاها في ثنايا مقطوعة موسيقية لأطياف يتداخلن بين أشجان قلبه ولهيب الدمع على وجنتي شقائق النعمان.
في الوقت الكائن بين هدأة الرياح وحفيف أشجار الأرق المتشح بسواد حلوله في شتاته الإنساني.. خيل إليه، أنها تغزل رونقا لحضورها المتوقع، في المدن التي أتلفها الجوع وأعماها الغبار المتسكع بين الشوارع والأزقة الخلفية ومنها هذه المدينة التي تتقاسمها، النجوم المشعة في سماء خيالاته، والرصاص المتوحش عند اختناق المرور.
على بعد نهار تجلت فيه حيوية الضوء، أنتصبت بين عينيه سلالم الماء، فاضت حدائق الشهداء في كؤوس الأزهار، وبأجنحة من خيال الرؤية طارت أحلام اليقظة، وثمة مسعى يسترخي كالعشب الضامر في جهة ما، وثمة في الأخرى مبكى.
حرائق شتى التهمت من أمهات الكتب تاريخه، نبش ركام الرماد لعله يجد جمرة ما تشير إليه، غير أن غبار الرماد المتصاعد شكل صورة غائمة لتاريخ على هيئة رجل شل جانبه الأيسر بينما كانت ملامح وجهه عبارة عن تعرجات ضوئية كتلك التي يشكلها البرق في طبقات الجو.
تعود مصافحتها عند كل لقاء، لكنه في لقاء كهذا، أخذها أو أخذته هي إلى الأبعد من المصافحة، مشيًا متشابكي اليدين، صوتها الذي همست به – من غياهب الأسى الذي ألقيت فيه منذ سنوات لا يتجاوزن عدد أناملهما اللاتي يذبن في دفء تشابكهما – لا يكاد يصل إلى سمعه، توقفا يرصدان الطريق عل أعينا ترصدهما، أقتربا من بعضهما كادت تبكي وهي تحدثه، طبع على خدها قبلة وجدت فيها بعضا من أحلامها المبددة كما أخبرته في الصباح التالي.
- تعز