- نبيل الشرعبي
بمناسبة اليوم العالمي للمعلم والذي صادف يوم أمس الخميس الـ 5 من شهر أكتوبر… سأحاول تقديم نموذج لمعلم حقيقي.. وأتقدم بجزيل الود والاحترام والإجلال للمعلم عامة ولهذا المعلم أحمد الفقي خاصة..
بسبب عقدة ما كانوا يسمونه الهندسة الفضائية_ جا وجتا بالثانوية أيام زمان، دخلت القسم الأدبي ولأني مع بقية زملائي كنا مشاغبين، كان مدير المدرسة يريد التخلص منا بالنقل إلى أي مدرسة أخرى ونحن رافضين، ودرسنا ثاني ثانوي بالحاصل..
انتقلنا لصف ثالث ثانوي، ودرسنا نصف المناهج فقط، والنصف الأخر “المنطق، الفلسفة، التاريخ والجغرافيا” لم يكن لدينا مدرسين..
وقبل الاختبارات بشهر وصل خبر إلى المعلم الفاضل أحمد الفقي_ ولقبه الشكشول_ لأنه متمكن من تدريس أي مقرر مدرسي، وهو من منطقة بني الحسام، وصل له الخبر بأن طلاب ثالث ثانوي بمدرسة الإرشاد سابقا_ حاليا اليرموك بني سري شرعب الرونة، لم يدرسوا المواد سالفة الذكر.
المعلم الفاضل الكشكول، لم يستطع تجاهل الأمر، وشد الرحال سيرا على الأقدام قاطعا سلسلة جبال ولمدة تصل إلى ساعة ونصف حتى وصل إلى المدرسة وهي خاوية على عروشها، لم يستسلم واستعان بمجموعة أطفال أرسل كل واحد منهم إلى قرية وإبلاغ طلاب صف ثالث ثانوي أدبي بسرعة الحضور للأهمية..
حضرنا إلى المدرسة واحدا تلو الأخر، وكان يرحب بقدوم كل طالب على حدة، لمسنا فيه من خلال الترحيب روح نقية وعظيمة وبادلناه التقدير والاحترام.. وما أن اكتمل العدد.. وقف قال بكلمات حزينة: يحزنني أني لم أعرف إلا مؤخرا بأنه لا يوجد لديكم مدرسين لنصف المقررات..
وقبل الشروع في حصة مقرر ما، سأل كل طالب على حدة وكان عددنا حوالي 35 طالب، سأل: هل قرأت مقرر المنطق وكل طالب يجيبه نعم وبإيجاز ماذا استفاد، وإلى أن جاء دوري سألني وأجبته نعم قرأت كتاب المنطق وكل ما فهمته بعد القراءة الرابعة هو أني لم أفهم شيء.. ابتسم وصفق.. غمرتني دهشة.. وبصوت دافء ما زلت اسمعه حتى الأن، قال هذا هو المنطق..
مدة ثلاثة أسابيع وكل يوم كان ينتقل من بلدته بني الحسام إلى بلدتنا.. وبأسلوب مبهر وجميل ومتفرد لخص لنا محتوى المقررات الـ 4، وتأكد من استيعابنا.. وفي اليوم الأخير وعدنا أنه لن يتركنا لوحدنا..
حان موعد الاختبارات.. انتقلنا قبل أيام من الاختبارات من ريف شرعب إلى مدينة تعز وحدد مكتب التربية مدرسة الشعب بباب موسى المركز الامتحاني لمدرستنا.. خلال ثلاثة أيام قبل الامتحانات كان المعلم القدير أحمد الفقي يأتي إلينا بشارع المغتربين الأسفل ويبقى معنا لساعات يقدم لنا الدروس على الرصيف..
في صباح اليوم الأول من الاختبارات.. رغم اعتقادنا أننا وصلنا مبكرين ولكننا وجدنا المعلم العظيم أحمد الفقي قد سبقنا وهو في انتظارنا وقبل دخول اختبار كل مادة يجمعنا ويطمننا بأن الاختبار سيكون سهل ويدعمنا نفسيا.. طوال فترة الاختبارات لم يتركنا يوم واحدا..
أنهينا الاختبارات.. كانت فرحته أكثر منا لأنه كان يناقشنا في كل مادة كيف أجبنا ويضع لنا درجات، وبالفعل كان دقيقا إلى حد كبير.. أحببناه كثيرا وكثيرا وكثيرا.. وهو كذلك.. في اليوم التالي من إنهاء الاختبارات وانتظارنا السيارة التي ستعود بنا إلى بلدتنا.. كان حزينا.. وقبل توديعه وصعود السيارة لم نتمالك أنفسنا من البكاء وهو كذلك..
معلمي الكثير والبهي أحمد الفقي.. ها أنا ما زلت أحبك وأراك بحجم النور.. كيف لي أن أجدك وأقبل جبينك الوضاء إن كنت ما تزال تعيش.. أحبك كثيرا..