- كتب: د. عبدالعزيز علوان
حين تفتحت عيني في القرية على المدركات الحسية من لمسية وبصرية وشمية وذوقية، بدأت أكون منها عالمي الخاص، لعبا مختلطا مع الأقران بما فيها العريس والعروس، وخيالا بمذاقه الخاص الذي يصنع بيوت أحلامه من الطين والتراب والغماية، والشُعُرير وغيرها.. (ألعاب الطفولة).
ذات مساء كانت القرى متواجدة في سقوف منازلها، تشعل الرماد المعجون بالجاز بعد أن شكلته في كرات ووزعته فوق المتارس (الجدار المريوشو- بدون طين – الحاجز الذي يُبني بعد أن يكتمل سقف البيت) … وكانت تسمى (ليلة التنصير) ومعناها إشعال الأضواء ليلا احتفاءا بانتصار الثورة.
كنت ليلتها مأخوذا إلى أقصى حد بهذه الزينة الضوئية لمساء القرى، تكاثرت أسئلتي باحثة عن السبب، قالت لي إحدى أخواتي بأن يوم غدا يصادف عيد النصر، يوم قيام الثورة..
شكل النصر لحظتئذ في خيالي أحاسيس متراقصة من فرحة الأضواء ومذاق الانتصار الذي لم أجد ألذ منه في تلك اللحظات حتى اليوم.
سنتان أو ثلاث ظليت أتذوق هذا الطعم المتخيل للزينة الضوئية لهذه الأمسية التي عرفت أنها تأتي بالسنة مرة واحدة، ويسمى 26 سبتمبر، سمعت عن أسم السلال، وعرفت أن بعض أسماء مواليد القرية اسماؤهم عبدالله متبوعا بالسلال.. بعدها اختفى الاسم عبدالله وبقي اسم السلال هو السائد والمتعارف عليه حتى اليوم في المعاملات والنداءات اليومية.
حين ذهبت إلى عدن، وجدت أن لهذه الليلة أضواء كهربائية أخرى مصحوبة بالأغاني الحماسية، ووجدت صباحا ثوريا آخر له عروضه وخطاباته في 14 اكتوبر وصباحا ثالثا يشع أفراحا استقلالية في ال 30 نوفمبر.
ست سنوات قضيتها في عدن، وحين كنت أعود للقرية في العطلة تظل تلك الليلة ما وراء العطلة وبداية العام الدراسي الذي أعود إليه.
في صنعاء التي وصلت إليها في العام الدراسي 88/89 كانت تلك الليلة -التي تتزين بها القرى بأضوائها- تتخذ من أضواء المصابيح الكهربائية زينة لها في صنعاء، وكان للازدحام في ميدان التحرير لونا آخر ومذاقا آخر ولا سيما لحظة أيقاد الشعلة رمز الثورة، ثم صباحا، كنا نبكر إلى ساحة السبعين لمشاهدة العروض العسكرية..
في فترة التجنيد الإلزامي (خدمة الدفاع الوطني) شاركنا في العرض العسكري بحماس الأناشيد وعنفوان الثوره وكبرياء الوطن.. بعد أن غزت الكهرباء القرى، إختفت الزينة الضوئية من سماء القرى، ولم يبق منها ألا احراق (التوائر) اطارات السيارات التي يصعد بها أحفادنا إلى أعلى الجبال ليشعلوها، و من ثمة يستمتعون بفعل كهذا رغم الأدخنة المتصاعدة منها التي يعودون بها إلى منازلهم، تاركين الأسلاك الكهربائية هنالك معترضة طريق الرعاة وأغنامهم.
- تعز 22 سبتمبر 23