- كتب: د. قاسم المحبشي
السياسة تؤثر في حياة الناس بأشد مما تؤثر فيهم تقلبات الظروف الطبيعية (الأحوال المناخية) التي منها: الرياح والحر والبرد والخصب والجدب والعواصف والفيضانات والإعصار والزلازل والبراكين والأوبئة حسب بول فاليري، وما حدث في اليمن اليوم وفي غيرها من البلدان العربية يعد أسوأ بما لايقاس مما يمكن أن تفعله أشد الكوارث الطبيعية فتكا، فما أخطر السياسية وما أفدح شرورها إذ تركت تمشي على حل شعرها؟! ربما كان الفرق بين الكوارث الطبيعية والشرور الاجتماعية يكمن في أن الطبيعية لا تفرق بين الكائنات الحية وغير الحية التي تفتك بها بينما الشرور الاجتماعية والسياسية تستهدف ضحاياها بمبررات ايديولوجية عبثية لم ينزل الله بها من سلطان.
الطبيعية تعيد الإنسان إلى حالته البيولوجية الأولى بوصفه كائنا أرضيا بين الكائنات الأخرى التي تقع على درجة متساوية من الظلم والضرر لأنها ببساطة بلا قلب أو بينما السياسة والايديولوجيا تختار ضحاياها بقسوة لا مثيل لها بل إن السياسة تؤثر في حياة الناس تأثيرات بعيدة المدى وفادحة النتائج ويبلغ تأثيرها الغائر الطبقات العميقة للذاتية الاجتماعية والفردية. ولسنا بحاجة إلى التذكير هنا بمدى ذلك الأثر الفاجع الذي أحدثته شرور السياسية في حياة مجتمعاتنا العربية الراهنة وما نعيشه اليوم من شرور الفساد السياسي في غير قطر عربي (فلسطين والعراق وليبيا وسوريا واليمن والسودان والصومال وبلدان المغرب العربي فضلا عن أفغانستان) لا يقاس بآي حال من الأحوال بما يمكن أن تفعله أي كوارث طبيعية محتملة أو متخيلة، والحالة اليمنية هي أحد أبرز تجليات تلك الكارثة السياسية، وكلما كانت السياسة خربانه كلما زادت النتائج السلبية للكوارث الطبيعية التي تنزل بالبلدان المختلفة فأثر إعصار دانيال الذي يجتاح دول المحيط الأطلسي الآن يختلف من دولة إلى أخرى وربما كان ليبيا الشقيقة هي أكثر الدول تضررا بالإعصار على نحو لم يكن بالحساب وذلك بسبب ما أصاب ليبيا الحبيبة من كارثة سياسية تمخضت حرب أهلية طويلة انهكت البلاد والعباد وجعلتها خائرة القوى في مقاومة الكوارث الطبيعية.
كم أنا حزين لما أصاب ليبيا الجريحة من مصاب كارثي بسب إعصار دانيال الاطلسي. اعان الله ليبيا وأهلها الكرام على تجاوز محنتها الفادحة وكامل التضامن الإنساني معها. وادعوا كل الدول العربية وشعوبها الوقوف إلى جانب ليبيا الكريمة في أزمتها فهي السباقة في النجدة والمواساة عبر كل العصور.. الإعصار كارثي بكل ما للكلمة من معاني وما شاهدنا من أضرار دانيال لا يذكر مع حقيقة الأمر بحسب ما ابلغني بعض الاصدقاء الأعزاء والصديقات العزيزات في وسائط التواصل الاجتماعي.. الكارثة أكبر بكثير من قدرات دولة واحدة دمرتها الحرب منذ سنوات الوضع يحتاج إلى تعاون دولي وتضامني عربي رسمي ومدني وومؤسسات كثيرة وليبيا تستحق الإسناد والمؤاساة في مصابها الجلل.
سوف تنهض ليبيا من مصابها الطبيعي كما نتمنى أن يندمل جرحها السياسي العميق أما اليمن والعراق والشام فقد وقعت في مخلب مسعور يعلم الله وحده متى يرخي عضته المتوحشة؟