- كتب: نبيل الشرعبي
في 2.30 دقيقة.. تقرير مصور بثته قناة الـ BBC مساء الخميس 07 سبتمبر 2023، حول فتى كفيف في أحد أرياف محافظة تعز، استطاعت مراسلة القناة نقل قصة الطفل في رسالة جميلة وحصيفة..
فتى كفيف واسمه أحمد، ذو شخصية كاريزمية يبلغ من العمر 11 عاماً، وقد ظهر في بي بي سي لأول مرة قبل عامين عندما كان يدرّس فصلاً دراسياً في مدرسة تعرضت للقصف بالقرب من خط المواجهة.
احمد ومن خلال ظهوره عبر شاشة الـ BBC قبل حوالي عامين، رغم أنه كفيف لم يشاهد حجم الدمار الذي حل بمدرستهم التي دمرتها غارات لطيران التحالف، لكن قلبه كان يستشعر حجم ذاك الدمار ومأساة بقاء الطلاب دون تعليم، ولذلك قرر أن يتولى مسؤولية تدريس طلاب الصف الثالث أساسي وبنجاح.
اعتمد أحمد، على حاسة الاستشعار والمعرفة العلمية التي خزنها في قلبه، وتولى مهام تدريس عشرات الطلاب..
وكما ورد في التقرير المصور، وقبل حوالي عامين وجه أحمد رسالة أوجز فيها أمنيته بإعادة بناء مدرستهم المدمرة.. وصل صوته وتحققت أمنيته وتم إعادة بناء المدرسة وعودة النشاط التعليمي فيها..
وقبل أيام من شعرنا الجاري، عادت أورلا غيرين مراسلة بي بي سي للشؤون الدولية وفريقها إلى مدينة تعز لمعرفة أحوال الكفيف أحمد، وفي تقرير مصور أخر تحدث أحمد على أمنيات كثيرة..
إلا أن أمنية واحدة وهي الاخيرة لخصت واقع الملايين من أطفال اليمن.. أحمد وهو الفتى الكفيف الريفي قال في أمنيته الأخيرة، أمنيتي أن أتزوج فتاة جميلة من المدينة ذات عيون جميلة وقامة طويلة..
لماذا اختار احمد هذه الأمنية..؟.. لبس للمتعة.. كيف ولماذا.. نعم تمنى ذلك لأن فتيات المدينة كما ذكر يجدن صناعة الكيك الحلو واللذيذ، وهو الذي يحلم بتناول كيك لذيذ ولكن الحرب حرمته من ذلك..
أمنية بسيطة جدا يتشاركها الكفيف أحمد مع ملايين من الأطفال اليمنيين.. حسرة كبيرة حين تُنسىء الأوجاع ولعنة الحرب، وتُختزل الأمنيات بتناول قطعة حلوى أو قطعة كيك لذيذة..
كيف يحدث ذلك..؟. ببساطة الحرب لن تنتهي قريبا وقد يطول أمدها.. ولا بد من التعايش معها أوزارها.. لكن ليس عدلا أن تتعايش مع الحرب وترحل وأنت تحلم أمنية تذوق قطعة كيك لذيذة..
قد أكون مجنونا في تفسير أمنية الكفيف أحمد ” أمنيتي أن أتزوج فتاة جميلة من المدينة ذات عيون جميلة وقامة طويلة لتصنع لي كيكا لذيذا”.. تفسيري للأمنية كالتالي: فتاة مدنية جميلة ذات عيون جميلة أي دولة مدنية بحق تجعل كل شيء حوالينا جميل، تصنع السعادة..
هكذا فسرت أمنية أحمد وإن كان لا يقصد ذلك، إلا أن صحفية الـ BBC، وحرصها على نقل الأمنية ترمي من خلالها إلى إرسال رسالة تتوافق مع تفسيري… الصحفيون الغربيون يهتمون كثيرا بالرسال البسيطة.. ويضعون لها محددات لتتحول إلى رسائل ذات مدلول مهم وجوهري..
وعلى النقيض كثير صحفيين عرب لا يهتمون للأمنيات البسيطة التي يُختزل فيها كل الواقع، بل يذهبون لنقل كل محال تحققه ولذلك لا يحدثوا أثرا ورسائلهم تأتي باردة تحمل في ثناياها موتها.