- كتب: د. عبدالعزيز علوان
يمثل العنوان بدلالة النغم الثائر العتبة الأولى للديوان.. بينما تمثل الصورة القابعة خلف قضبان الزنزانة العتبة الثانية بمدلوليها الرؤية السوداوية المظلمة ألى الداخل التي يراها السجان، والرؤية المضيئة التي يراها السجين إلى الخارج.. وسأترك للقارئ التأمل في دلالات اللون الكلي للغلاف.
بعد العتبات الأولى… يقابلنا الإهداء
إلى وطني التربة التي أرتوت من دمي ودم كل الذين سجلوا على صفحات تاريخها أنصع السطور حتى انتصر..
عتبة أخرى ذات دلالات أكثر وضوحا في غموضها المتوحد في جملة وطني، المعرف بأنه (التربة التى أرتوت من دم الشاعر ودم الذين سجلو ا على صفحاتها انصع السطور حتى انتصر) فالتربة واحدة والدم واحد والنصر غاية الوطن المأمول..
يفتتح الدكتور المقالح الديوان بمقدمة تعرفه إلى الشاعر، ومكانته الشعرية مصنفا الديوان إلى ثلاثة أساليب شعرية؛ الشعر العمودي التقليدي، والشعر الحر، والشعر العامي.. وهذا التنصيف يبدو جليا للقارئ … بيد أني لست بصدد دراسة تحليلية لهذه الأساليب… ولكنني سأنطلق من تصنيف آخر في ثلاثة أبعاد. البعد الواقعي نضالا، الرومانسي شاعرية، الغنائي حقولا للوطن الذي تجذرت سحائبه في عميق الثرى، وأنساب في إخضرار أوردته؛ وزهت سمائه بسنابل عطائه.
بين تلك الأبعاد يتغلغل القارئ بدأََ من عذاب وعذوبة النضال، وتداخلا في رومانسية الوطن الشاعرة وحقولا في معينية الزراع دائمة العطاء.
الواقعية النضالية:
للواقعية النضالية في ديوان النغم الثائر معجمها المتفرد في النضال بدأَ بالنغم المضاف للثائر وما تلى ذلك من مفردات نضالية وردت في ثنايا القصائد النضاليه الدالة عليها، فالثائر الحر بأناه الجمعية وليس بذات الأنا الفردي، يصبح رمزا للنضال وجنديا لبلاده يوم اشتداد المعارك دفاعا عنها، هذا الرمز الذي يستلذ شرب المنايا دفاعا عنها كشرب الماء الزلال ومتوجا بنصره هام الجبال..
بدأت قصائد الديوان بأهزوجة الشعب التي يترنم فيها من (نقم الجبل المطل على صنعاء) يبشر فيها الشعب بانتصاره حتى يخفق العلم:
وقفت أصرخ من علياك يا نقم
أبشر الشعب حتى يخفق العلم
ثم يقسم ثانية باسم الدماء الذي سالت على (حُرم أحد جبال صعدة) وباسم من ظلموا ومن حرموا:
مبررا قسمه بعدم الخنوع بعد الآن
لن أرتضي الذل بعد اليوم أشربه
مرا وقد هربت من شربه الأمم
كما تظهر مفردات هذه الواقعية النضالية في قصيدة المارد المنتقم، والذي لا ينهزم من الغاصب الغمر، مؤكدا الصمود حتى النصر أو الشهادة، مرددا القسم بأغلى وأحر المناطق نضالا كردفان وشمسان وأرض الجنتين عموما ليحيا عزيزا شريفا وحرا:
أنا المارد الثائر المنتقم
من الغاصب الغمر لا أنهزم
سأصمد حتى ألاقي الممات
أو العيش حرا كريم الشمم
في السبعين يوما كان في (موسكو الإتحاد السوفيتي سابقا) للاستشفاء وكانت حراجات الوطن تعذبه هناك أكثر من آلآمه هو الذي يقول فيها:
سئمت الوجود سئمت الحياه
سئمت السرير سئمت الرفاه
ثم يلتفت مخاطبا طبيبه:
فدعني طبيبي بلا أدويه
ودعني أعيش بآلاميه
فحبي لشعبي وصنعانيه
أحب الي من العافيه
و مبررا أسباب هذا الخطاب بقوله:
وشوقي إلى الزحف بين الوعور
إلى السهد وحدي فوق الصخور
لأحيا عليها حياة الصقور
هناك طبيبي مع الصاعقه
في أربع رسائل له من السجن عام 1969 أتت مفردات القصائد مشحونة أيضا بالمفردات النضالية ففي الأوى رسالة سجين يقول فيها:
سنظل نزحف والصباح مسارنا
جيل العزيمه ثابت الخطوات
متقحمي الأهوال نجتاز الردى
نهب الحياة لأنبل الغايات
لن يُضعف السجن الرهيب عزيمتي
إن السجون ينابع الثورات
وفي القصيدة الثانية من السجن يعلي من شأن العزيمة ويتوعد السجانين بسوء العاقبة:
فلابد أن يعقب الليل صبح
لنسقيهم الكأس مرا وعلقم
في القصيدة الثالثة يحاور حارس سجنه وليس سجانه ويسأله:
ماذا يفيدك ياسجان من ألمي
تراك أنت ظننت الدهر مؤتمنا
ويستطرد قائلا:
سل الليالي التي مرت بمن سبقوا
عن الديار عن من علوا سكنا
ويبين له أنهما أخوة في المصير ويطلب منه الأ يبصر انسياب الدماء من ساقيه وهي تنهمر كالدموع:
إني أخوك فلا تبصر لقطر دمي
ينساب كالدمع من ساقي وما احتقنا
وفي القصيدة الرابعة سجنا يجري حوار مع (السجان علي)، الذي يكبله بالحديد لأنه يقول الحقيقة في شعره، كما نرى هذا السجان يكشر بأنيابه نحو هذا السجين المكبل في قيده وهو ممسكا (الجنبيه) مما يدل على خوف السجان من هذا السجين الشاعر المكبل في قيده ونلمح دلالة أخرى هي أن دخوله السجن بسبب موقفه ممن حرف مسار الثور (موقف سياسي)..
ولأن هذا السجان لم يسأل الشعب.. عما ذا صنعت (الكلام للشاعر) ولماذا سجن وما ذنبه، فسيخبر ذات يوم صباح عن كل شيء ليجثو أمامه بعد أن يهوي سلطانه، في قصيدة القسم؛ يقسم الشاعر يمينا بمجد الوطن مهد كل فتى مؤمنا به، وبأنه سيمضي في طريق هذا الوطن من دونما توان أو انحناء:
يمينا بمجدك ياموطني ويا مهد كل فتى مؤمن
سأمضي على الدرب لا أنحني
ولا أتوان ولا أنثني
وفي نشيد المجد يمضي الشاعر إلى المجد بعزم الأسود معلنا أنه حمل الأمانة وقاد النضال ووقف على شامخات الجبال يجمع الصفوف التي تشتت؛ مجددا مضيه بعزم الأباة الحماة البناة:
إلى المجد هيا بعزم الأسود
نُشيد الرخاء بارض السدود
وقفنا على قمم شامخات
جمعنا الصفوف نبذنا الشتات
سمنضي بجد بعزم الأباة
فنحن الحماة ونحن البناة
ثم يأتي الشاعر مع الشباب حاملين أيلول فوق الرؤوس باذلين له الأكباد والنفوس، مؤكدا يمانية أرواحهم التي تكون ظلا للوطن يوم الهجير وحر الشموس:
سنحمل أيلول فوق الرؤوس
ونعطيه أكبادنا والنفوس
يمانون أرواحنا ظله
بيوم الهجير وحر الشموس
يتجلى في النغم الثائر صوت الحق بجلال قوته ووثوب الشعب في سبتمبر مطالبا إياه بسقيا العدل وتغذية العمر بسلام الثائر المنتصر (هذا الديوان القصيدة أو القصيدة الديوان) بحاجه إلى قراءة أخرى مغايرة..
في نغم الخلود نرى الشاعر.. مناديا الشعب وأيلول الأغر وثورة الشعب هي التي صنعت في أعماقه روح القدر.. و هكذا تتدفق مفردات الواقعية النضالية في الديوان.
ومن خلال عناوين القصائد نلمح مثل هذه المفردات باعتبار العنوان مفتاحا لها كما في عناوين القصائد، مدفع النصر، نداء النصر.. شعلة النصر. عطر الجراح، مبدأ الحق.
بعد هذه الاطلالة الاستعراضية لبعض المفردات الواقعية النضالية في ديوان النغم الثائر للشاعر عثمان أبو ماهر.
تجدر الاشارة إلى أن الكثير من القصائد التى تم استعراض بعض مفرداتها النضالية غير مؤرخة مما يدفعنا إلى السؤال لماذا لم يؤرخ الشاعر هذه القصائد؟ مع أن بعضنا ممن كان يتابع أذاعتي صنعاء وعدن يعرف تاريخ بثها نشيدا ثوريا من هنا او هناك ؟ وهذا لا يدل على أنها (القصائد) مولودة تاريخ البث!.
في تقديري إن توثيق القصائد تاريخا وبالذات القصائد النضالية أو الوطنية بشكل عام يجمدها عند ذات التاريخ المدون نهاية القصيدة، وبالتالي فإن قراءتها لا تتعدى تلك المرحله زمانيا ومكانيا وما يحسب لهذه القصائد بعض ما يستشف من قراءات مستقبلية..
ولأن ديمومة النضال مستمره وأيام ايلول وتشرين متجددة الذكرى والذاكرة ودافقة الاستمرارية بنضالها الدؤب وصولا إلى هدافها التي مازلت حلم الشعب و انبثاق تطلعات شهدائه، فقد أدرك الشاعر أبعاد هذه الديمومه وتركها مفتوحة على مصراعي الزمان والمكان….
يتبع الرومانسية الشاعرية في ديوان النغم الثائر.