- لطف الصراري
توشك سنة على الاكتمال منذ كتبت نصاً سردياً أو مقالياً أو حتى منشورا من شغاف القلب.
أخبروني أن قلبي يحتاج إلى الراحة، لكنه لم يعرف طعمها، حتى طعم الحياة لم يعد كما كان.
بوسعي أن أسدي الآخرين نصائح ذهبية للحفاظ على قلوبهم من التعب، باستثناء أولئك الذين لا يجيدون فعل شيء من خارج القلب، لذلك لا أستطيع نصح نفسي حتى.
العمل من خارج القلب يحتاج إلى مراس، وبالنسبة لكاتب اعتاد انتزاع كل عبارة مع نتفة قرمزية من قلبه أو كبده، تصبح تمارين الكتابة من الرأس فقط أشبه بالسباحة في حوض بقعر بلاستيكي. هل يمكن العثور على محارات اللؤلؤ في حوض بلاستيكي؟ أثناء هذه التمارين عرفت كيف تتعرض نزاهة الكاتب لإغراءات السطو على أفكار الآخرين وكيف يغدو الانسياق وراء أول عملية غش فخا يصعب الفكاك منه. هي عملية تشبه عمليات السطو على المصارف التي نشاهدها في الأفلام السينمائية، حين يقول رئيس العصابة أو أحد أعضائها: هذه آخر عملية، ثم يجد نفسه عاجزاً عن التوقف.
طالما اعتقدت أن كتابة السرد الأدبي مثل الغوص، بينما تشبه الكتابة في المجالات الأخرى، السباحة. وبعد أن شاهدت فيلم حياة موزارت عدلت عن هذا الاعتقاد بحدوده الصارمة. توقف موزارت عدة مرات عن العمل في تأليف “قداس الموتى” وكان ينشغل بتأليف موسيقى مسرحية للفرق التي تقدم عروضها في المدينة، بالرغم من عدم جدواها المالية. عندما سألته زوجته لماذا لا يكمل المقطوعة التي طلبها منه موسيقار البلاط لقاء أجر مرتفع، أخبرها أنه يشعر بأن العمل عليها يقتله. مات موزارت في عمر الثانية والثلاثين وكان “قداس الموتى” آخر عمل موسيقي ألفه.
العمل من القلب قاتل، لكن لا خيار غيره يمكن أن ينتج الأفكار الأصيلة.
ليس هذا قولاً مأثوراً في حالة تأمل، بل تجربة ممتدة لما يقارب عقدين من الاشتغال بالكتابة الأدبية والصحفية والبحثية. بإمكان الكاتب أو الفنان أن يبدع أعمالاً مثيرة للإعجاب، لكن عمله سيظل مفتقراً للروح ما لم تعركه انقباضات القلب وانبساطاته.