- ضياف البراق
دقات قلبه لا تعمل بدون الحزن. هو كل هؤلاء الأطفال الذين لا يفيقون من سكرات الحزن، لا صباحًا ولا مساءً.
فقط الحزن هو الأقل توحشًا وكذبًا في هذا العالم المريض أكثر من اللازم.
ها هو يرفض الأشياءَ التي لا تصيبه بالحزن.
الحزن لا يتعبه مثل الانتظار.
الحزنُ يعطيه المطرَ، والفراشاتِ، والهواءَ النقي، والأماكن التي يحب الجلوس فيها.
لا يستطيع أن يرفعَ رأسه إلا في نطاق هذا الحزن الممتد من قاع طفولته إلى رأس الأبد.
الحزن سماؤه الحقيقية.
الحزن أصابعه التي يمشي عليها في أحلامه، والتي يكتب بها ما يريد.
الحزن إخوته وأصدقاؤه الذين يموتون مِرارًا من جنون هذه الحرب المفتوحة من جميع الأطراف والجهات.
الحزن امرأته الوحيدة التي لا تخونه.
الحزن عيونه التى يتكلم بها مع الطين، والأشجار، والطيور، والذين أصبحوا تحت التراب. الحزن إجابته الشافية على أي سؤال يخطر بباله. الحزن يده التي يقتل بها القلقَ الفائض، والأيامَ الفارغة.
وسيظل دائمًا يستضيء بنور حزنه الداخلي. إنّ الحزن لأكثر منطقية وإنسانية من هذا الضجيج الثوري الفاشل.
بالحزن يُخرِج الدمارَ من داخله، ويتواصل مع الكائنات البعيدة عن حواسه.
لا مجال له سوى الحزن.
ذاكرته كلها من حزن.
جدران غرفته من حزن، وسقفها أيضًا.
إنّه لا يرى وجهه إلا في مِرآة الحزن.
ومن فرْطِ حزنه لن يكون قاسيًا مع أحد أو على شيء ليس له. حزنه طريقه الحقيقي إلى نفسه، وإلى المعنى الأبدي.
ذلك الشيء الذي يسع كل شيء، إنه حزنه.
وهو يعتني بالحزن من كثرة حبه للحياة.
نَعَم، إنه يحب الحياة من أعماق حزنه، وبلا يأس يسمح دموعه.
ولا يزال يعشق تلك الومضات الجميلة التي تنتشله من عبثية هذا المجهول المخيف المُسمّى واقعًا أو وطنًا أو خريفًا..
إنه لا يشعر بالحزن من أيّ شيء..
حزنه هو كل ما تبقى له من خارطة وطنه العظيم!
إنه طفل رغم تقدمه في العمر، طفل ولكنه أكبر من الحزن..
طفل يبتسم لكل شيء، ويعيش حرًا داخل القيد وحرًا خارج ذاته..
إنه ليس طفلًا وإنما في داخله طفل جميل، طفل يقتلونه كل دقيقة، لكنه لا يموت ولا يعلن يأسه من المقاومة.
أو يموت مؤقتا ولكنه يبقى مبتسِما، ثم ينهض منتصِرًا على سقوطه..
طفل يبتسم في وجوه قاتليه، فيتساقطون من التعب واليأس والذهول والغَيْرة.
ابتسامته النقية مُقاوَمة حرة ضد الفعل ورد الفعل.
إنها ابتسامة دافئة وأبدية، كأنها الكلمة العميقة الصادقة السعيدة النابعة من صميم أحزان هذه الأرض.
يبتسم دائمًا وهو حزين؛ لكي يحتضنَ الحياة عن بكرة أبيها!
في داخله براءةُ أطفالِ العالم كلهم.
والبراءة الناضجة علامة الأمل، خالِقةُ التفاؤل، نقيضُ اليأس وقبرُ الزّيْف.
وهذه البراءة حياةٌ وليست موتًا، هي الضوء لا الظلام، إنها النمو العميق لا الخسران، التقدم لا التراجع..
حزنه هو براءته الباسمة، المرحة، الليّنة، المضيئة..
دعوه حزينًا كي يزرع الأفراح في دروب حياتكم..
واتركوا حزنه مبتسمًا كي يُضيءَ أعماقَكم المنطفئة..
لغته هي طفولته الناضجة، وبراءته هي فرحته بالحياة وبكل شيء، رغم ميله إلى الحزن، ورغمكم أيها السعداء كالقيامة!
ليس حزنًا بل هو الفرح بعينه.