- كتب: عارف الدوش
فكرة التصنيع والتأسيس للصناعة الوطنية
كانت فكرة التصنيع تراود علي محمد سعيد وهو يرى العالم المتقدم وأبداً على الصناعة . فطرح الفكرة مجدداً على عمه الحاج هائل وإبن عمه أحمد هائل وأخذوا يبحثون في الكيفية التي ينفذون فيها فكرة التصنيع . وبعد مداولات وبحث فكرة التصنيع إستقر الرأي علىالدخول في مجال الصناعة بإعتبارة النشاط الأنسب في معالجة البطالة وتوفير فرص عمل نوعيه تتناسب ومخرجات التعليم.
ويذكر علي محمد سعيد تلك الفترة التي تم فيها إتخاذ هذا القرار الصعب قائلاً : بعد أن أخذنا قرارنا بإنشاء شركة صناعية في اليمن بقينا نناقش الكثير من الجوانب التفصيلية الخاصة بالمشروع . وما زلت أتذكر حين كنت مع عمي الحاج هائل والأخ أحمد هائل نناقش موضوع إنشاء هذه الشركة . وكان نقاشنا يومها يأخذ طابعاً وطنياً أكثر منه طابعاً إستثمارياً وكان من القضايا المطروحة قضية المسؤولية الجماعية للتجار ورؤوس الأموال الموجودة في الداخل أو في الخارج فرأينا أن مسئوليتنا الوطنية تتركز في أخذ زمام المبادرة وحمل الراية ثم ندعو الجميع للمساهمة معنا في هذا المشروع التنموي الأول من نوعه في الوطن.
فقد كان نسبة من الناس يمتلكون أموالاً مجمدة وغير مستغلة رغم فقر الناس وعوزهم يومذاك إلا أن جزءاً من السيولة النقدية في البلاد غير مستثمرة . وهذا الأمر لمسته شخصياً حين توليت مسؤولية رئاسة البنك اليمني للإنشاء والتعمير وعشت تجربة حين أسهمت باسم المجموعة مع بعض التجارب بتأسيس عدد من الشركات المساهمة قبل وبعد قيام الثورة. والتي حظيت جميعها يتفاعل كبير من قبل المواطنين خصوصاً المغتربين التي كانت أحوالهم ميسرة نسبياً فقد كانوا متفائلين في هذه المشاريع التنموية وعلى رأسها البنك اليمني للإنشاء والتعمير وكذا شركة المحروقات.
وقد كان توجهنا نحو إختيار مبدأ المساهمة المفتوحة ينطلق من رؤيتنا ووعينا بالأهمية الاقتصادية لهذا النوع من الإستثمار وارتفاع
قيمته المضافة والدليل على ذلك إستمرارنا فيه كمبدأ ثابت في مختلف مشاريعنا واستثماراتنا منذ ذلك اليوم .. ولهذا نحن حريصون حين نذكر المجموعة أن نقول ( مجموعة هائل سعيد أنعم وشركإة) لأن الآلاف من المساهمين هم شركاء معنا ولا بد أن نذكر حقهم في كل شيء حتى في الأسهم .” (1)
وهكذا كانت الرؤية واضحة وكان التصميم والعزم على التنفيذ كثيراً فوضعت الدراسات العلمية وتم الإعلان عن إنشاء ” الشركة اليمنية للصناعة والتجارة ” البسكويت والحلويات ” وتم دعوة الناس للمساهمة فيها وتم تحديد قيمة السهم الواحد يومها بـ ( 100) ريال.. وعندما سمع الناس بالخبر أعتبره البعض قراراً شجاعاً في حين رأسه البعض قرار متهور . وفسره آخرون بأنه قرار إرتجالي أتخذته شركة هائل سعيد أنعم وشركاه . في حين أنكفأ البعض على نفسه بعيداً وبقيت القلة تدافع عن القرار وأهميته.
وجرى تكثيف الإتصالات مع التجار ورؤوس الأموال الوطنية لشرح. أهمية المشروع .. بينما كلف الناس والمحبة إتصالاتهم بإدارة شركة هائل سعيد أنعم يوصونهم بالتربية وترقب قادم الأحداث..
وتم الإتفاق على أن يتوجه أحمد هائل وأخوه عبد الرحمن هائل إلى ألمانيا. في رحلة البحث والتعرف والتفاوض مع الشركات المصنعة للآلات وأن يناقشا مع الشركات المتخصصة تفاصيل المشروع. .وأستقر الرأي على شراء مصنع للحلويات والبسكويت وتم شراء أحدث الآلات واستقدام خبير ألماني ممثل شركة جيسون & جيسون. (2)
ووقع الإختيار على منطقة الحيوان – تعز لإقامة المصنع فيها . وتم إشهار الشركة التي تم الإتفاق على تسميتها ” الشركة اليمنية للصناعة والتجارة ” .. ولكن كان خيط النجاح مشدود الى طرفيه بالمشروع وتتسارع خطواته ويتجه نحو التأسيس ويشد الخيط إليه في حين كان طرف الخيط الآخر تمسك به الظروف المضطربة في البلاد وتشده إليها بقوة.. (…)
وكان بعض المساهمين كلما أشتدت الأوضاع سخونة إرتخت عزائمهم قليلاً وبهتت أمالهم. أكثر فقرر البعض التقدم إلى إدارة الشركة بطلب سحب مساهماتكم وإعادة موالهم.
لم يجد هائل سعيد أنعم وشركاه مشكلة في الأمر ولا حتى حرجاً في أنفسهم فالمشروع بحمد الله يسير بخطى حثيثة ومتوازنة تبشر بخير رغم شدة التحدي وصعوبة الرهان ويكفيه من بقى معهم من المساهمين حتى النهاية والذين كان عددهم بحسب سجلات الشركة عند التأسيس لا يتجاوز الستين مساهماً اي يكون 40% تقريباً وقد بدأ التشغيل بحوالي 120 عاملاً وعاملة.
وتقرر أن يكون شهر رمضان 1390 هـ الموافق أكتوبر 1970م. موعدا لوضع حجر الأساس للمشروع وفعلاً وضع حجر الأساس من قبل القاضي عبد الرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري ومعه الشيخ محمد علي عثمان نائب رئيس المجلس الجمهوري و الأستاذ محسن العيني رئيس الوزراء وعدد من كبار رجال الدولة وأعضاء الحكومة.
وبعد إنقضاء عام كامل أفتتح الأستاذ محسن العيني المصنع ووثق لهذا اليوم بأحاسيسه ومشاعره قبل كلمته المدونة بخطه في سجل زيارات الشركة جاء فيها ” أن منظر الأيدي اليمنية وهي تعمل ومنظر بنات اليمن وهن يعملن وأبناء اليمن وهم يقفون خلف الآلات.. ومنظر الإنتاج وقد كتب عليه صنع في اليمن ”
وصار المصنع بعد ذلك مزاراً للطلبة ومعرضا للزائرين .. وقد أعد السجل الذهبي للشركة وأحتوى كلمات منها كلمة للأستاذ أحمد محمد نعمان . جاء فيها أنه شهد الأيادي اليمنية التي تعمل تحت إرشاد الخبراء الألمان وأبدى سعادته في أن العقل اليمني أخذ يستوعب أصول الفن الحديث والعلم الحديث والحضارة الحديثة.
وفي 23 /11 /1975 م زار المصنع الرئيس إبراهيم الحمدي رئيس مجلس القيادة بعد أن صار مجمعاً للحلويات والأسفنج والبلاستيك والصناعات الخفيفة وكتب في السجل الذهبي كلمة جاء فيها “أن هذا المجمع من المصانع يمثل فلسفة متقدمة في صناعة حياة اليمن الجديد على أساس من الإعتماد على النفس والعمل الشريف”، ولشدة ما أثار دهشته أن فلسفة المصنع قائمة على يمننة الكفاءات والخبرات.. فقد أستطاعت الشركة أن تصل إلى هذه النتيجة في غضون خمس سنوات .
وكان السجل الذهبي ثرياً بكلمات الكبار من كل شرائح المجتمع وفئاته السياسية والعلمية والمهنية .. بل الى أبعد من ذلك ما أشتمل عليه من كلمات للإخوة العرب والأصدقاء الأجانب من رؤساء البعثات والسفراء أمثال السوفيت والصين وغيرها من بلدان العالم المتقدم.
وزار المصنع قبل الوحدة الأستاذ فضل محسن عبد الله رئيس اللجنة الإقتصادية والمالية في الشطر الجنوبي وأبدى سروره الكبير بالمستوى الرفيع لدى العمال اليمنيين في المصنع واكد في كلمته بتاريخ 30/8/1973 على أن توجه القطاع الخاص نحو الصناعة هو الطريق الوحيد والصحيح للقطاع الخاص الوطني وإنه يجب أن يشجع وأن تقدم له التسهيلات الإعفاءات اللازمة.
أما الرئيس الفلسطيني المناضل ياسر عرفات عندما زار محافظة تعز يرافقة الدكتور أحمد الأصبحي عرج على المجمع الصناعي في الحوبان . وحين طاف مع مستقبليه الحاج هائل سعيد أنعم وإبن أخيه علي محمد سعيد أنعم وابنه أحمد هائل على مواقع الإنتاج في المجمع الصناعي بدأ مذهولاً كلما طاف داخل إحدى الشركات وقد أعرب عن إعجابه الكبير وإعتزازه لما رأه من المصانع الحديثة التي لم يكن يتصور أن يصل مستوىالتطور التكنولوجي والفني ومهارة العاملين فيها. وقال ” لا أظنكم بحاجة إلى أن نرسل إليكم مهندسينا سوف نبعث بالمهندسين الفلسطينيين ليتدربوا في مصانعكم”. (3)
وهكذا تواصلت النجاحات فكان مصنع الأسفنج والبلاستيك والشركة الوطنية لصناعة الأسفنج والبلاستيك ومصنع السمن والصابون والشرلة اليمنية لصناعة السمن والصابون . وفرض التوسع إنشاء إدارة عامة للصناعة ..ثم توسعت الصناعات وتم إنشاء شركة غذائية تضم عدداً من مصانع الألبان و البقوليات والعصائر وشركة أخرى للصناعات المتنوعة تضم مصانع للأغذية الخفيفة والأغلفة الورقية ومصنع للسجائر.. واستمر التطوير والتحديث بشركات جديدة في مجالات مختلفه..
وصية الحاج هائل في الحرم النبوي
يقول الشيخ علي محمد سعيد ” أدى عمي الحاج هائل سعيد مناسك العمرة في مكة وأشتاق لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والسلام على صاحبيه والصلاة في مسجده الذي وافق يومها الجمعة قبل الأخيرة في رمضان . والتقى على غير سابق موعد معي ومع ابنه أحمد هائل في المسجد النبوي وحين خرجنا سوياً من المسجد التفت ليجد اللحظة التي أفرحته تجسد صورة العلاقة الأسرية التي يتمناها وعاش معنا خلال العقود الماضية فقد كنت شريكه في التأسيس ورفيق دربة فطلب أن أقف إلى يمينه في حين طلب من ابنه أحمد أن يقف إلى يساره نظر إلينا وأنه ثالث ثلاثة يحملون هم الأسرة والتأسيس للشركة من ربيع أعمارنا حتى شابت رؤوسنا.
وأمسك الحاج هائل بيدينا وجمعها معا في يده وشد عليهما ثم قال : يا علي أنت الأخ الكبير وهذا أحمد أخوك .. حافظوا على دوام المحبة والتعاون والإخاء والألفة والأخوة وعليكم مسؤولية وإلتزام الإهتمام بإخوانك وأبنائكم وتربيتهم على الصلاح والخير .. ثم قال : لنبارك لقائنا هذا بالدعاء الى الله بالتوفيق وقراءة الفاتحة إلى حضرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . ومن بعد هذا اللقاء والذي اعتبرناه عهداً وموثق … وكأنه كان إلهاماً غيبياً من الله للرجل الصالح قبل وفاته .. فقد عاد الحاج هائل سعيد أنعم إلى تعز وبقى فيها يومين يوزع الزكاة ثم توجه الى قريته مسقط رأسه ” قرض ” – الأعروق – مديرية حيفان. ووصل إليها يوم الأثنين الثامن والعشرين من رمضان 1410 هـ الموافق 23 إبريل 1990م . فأستقبله قبيل المغرب أخوه الحاج جازم وتوجها الى المسجد واديا صلاة المغرب وبعد تناول العشاء مع أفراد الأسرة توجه إلى غرفته لينام قليلاً وطلب منهم إيقاضه عندما يحين وقت صلاة العشاء .. وفي موعده توجه العم الحاج جازم ليوقضه للصلاة فإذا به يفاجأ بأنه قد فارق الحيإة رحمة الله عليه. (4)
علي محمد سعيد يخلف عمه
أدى ابناء الأسرة واجب العزاء في أبيهم الروحي دون أن يتوقف العمل في شركاتهم ومؤسساتهم .. فلكل شيء أوانه وعجلة الموت لا تتوقف والحياة مستمرة أيضاً .. وكان إجتماعهم معاً في مدينة تعز فرصة لإعادة أوضاعهم الداخلية كأسرة وكمجموعة اقتصادية بعد رحيل عميد الأسرة والرجل الأول فيها فتمت الدعوة لإجتماع يعقد لأول مرة بمقعد شاغر في صدر الطاولة كان مخصصاً لجلوس المرحوم الحاج هائل سعيد أنعم . لم يتجرأ أحد على الجلوس عليه إحتراماً ومهابة لمكانة صاحبه في قلوبهم جميعاً حتى بادر أحمد هائل ليطلب من إبن عمه ورفيق دربه وأخيه الأكبر علي محمد سعيد أن يجلس مكان عمه الراحل بمساندة بقية الأخوة والأبناء فكان ذلك إجماعاً منهم على إختياره عميداً لأسرة أل سعيد أنعم وخلفاً لعمه المرحوم هائل سعيد أنعم والإستمرار في قيادة نشاطها التجاري الى جانب مهامه كرئيس لمجلس الإدارة..
وتوسعت نشاطات المجموعة التجارية والصناعية لتشمل المحافظات الجنوبية والشرقية بعد قيام الوحدة اليمنية .. كما تواصلت إستثماراتها في الخارج في كل من السعودية ومنطقة شرق أسيا في ماليزيا وكذلك في جمهورية مصر العربية..
ثم دخلت أندونيسيا كدولة تحتضن نشاط المجموعة .. وتوسعت أيضاً مكاتب التمثيل التجاري الى عدد من الدول الأخرى في أنحاء متفرقة من العالم.. (5)
مواجهة تحديات السوق
ولمواجهة تحديات السوق تم إنشاء ” شركة السعيد للتجارة ” عام 1993م كشركة متخصصة في التسويق الدولي وتصدير منتجات الشركات الصناعية للمجموعة في اليمن إلى الأسواق الخارجية وتمكنت من التصدير لأكثر من 37 دولة .. كما تم إفتتاح شركة جديدة لصناعة زيوت السيارات وكذلك الإستثمار في مستشفى السعيد التخصصي بتعز .. كما تم تأسيس الجمعية الخيرية لهائل سعيد أنعم وشركاه وإنشاء بنك التضامن الإسلامي الذي تم تأسيسه عام 1996 كشركة مساهمة عامة ثم تأسيس شركة المطاحن وصوامع الغلال في عدن وشركة صوامع الغلال في الحديدة وأصبح هناك الشركة اليمنية للمطاحن وصوامع الغلال.. كما تم إنشاء الشركة اليمنية للأسمنت وشركة العلم لصناعة الأكياس المنسوجة وشركة وديان التجارية في عدن عام 1996 لتمثيل عدد من الشركات العالمية في مجال الطلاء ومواد البناء ثم تم تأسيس شركة السعيد لتصنيع الخرسانة والمقاولات في العام 2001م .ِ. بالإضافة إلى مشاريع إستثمارية سياحية تمثلت في ثلاثة فنادق ” سوفتيل بتعز وميركوري في صنعاء ومجمع عدن السياحي التجاري ” وفي الصناعات الإستخراجية كشركة الأسمنت وشركة السكر في الحديدة وفي مجال الصحة مستشفى اليمن الدولي بتعز وكذلك مدينة المستقبل السكنية في تعز ومؤسسة السعيد للثقافة والعلوم.
ونقتطف مما ختم به الحاج علي محمد سعيد الكتاب
ختم الحاج علي محمد سعيد الكتاب بخاتمة تضمنت خلاصات تجربة التأسيس والطوير ووصايا عديدة هامة لمن يريد معرفتها عليه بالكتاب وهنا نقتطف منها فقرة صغيرة على سبيل الإستشهاد فقط حيث يقول :
“إنني من منطلق أسهاماتي ومسؤولياتي في هذه التجربة كمؤسس ورئيس مجلس الإدارة وعميد لأسرة أل سعيد أنعم بعد وفاة عمي المرحوم الحاج هائل سعيد فقد سعدتُ بهذا السِفر الذي وثق كما غيره تاريخاً لنا كأسرة ومجموعة وكتبتُ فيه هذه الخاتمة وفاء منى للأجيال القادمة وتذكيراً لها وإبراء للذمة وبهدف الإستفادة من ثراء التجربة وتنوع خبراتها في مراحلها المختلفة … حتى أضحت المجموعة كأكبر مجموعة إقتصادية في اليمن لها نصيب السبق والريادة في مختلف الميادين يمتد نشاطها إلى عدد من الدول وتصل منتجاتها إلى حوالي 40 دولة حول العالم وبلغ عدد مساهميها في اليمن حوالي 15000 مساهم وتوفر أكثر من 40000 فرصة عمل في شركاتها وفي مجال الأعمال الأخرى المساعدة والمقاولات والتوريد..” (6)
من وصايا الحاج علي محمد سعيد
وختاماً نقتطف من وصايا الحاج علي محمد سعيد أنعم واستخلاصاته للعبرة من مشوار حياته الطويل المعجون بالتعب والكدح والمثابرة والمغامرة ومواجهة التحديات … وه كثيرة. متناثرة في صفحات الكتاب ويذكر الدكتور أحمد الأصبحي : وفي هذا يروي الأخ عمار عن الشيخ علي محمد سعيد في مجلسه الرمضاني قولة:
“رحل عنا والدنا الحاج هائل سعيد مخلفاً وراءه ثروة هائلة من القيم والأخلاق والسجايا الطيبة والذكر الحسن والأعمال الجليلية والمأثر العظيمة .. وبقيت موعظة موته حية في ذاكرتي ..”..
كان يقول ذلك في ذكرى عمه المرحوم هائل ويشرح بقصد العبرة لبعض أبنائه وموظفيه على مائدة السحور في منزله بتعز التي كان يحييها في العشر الأواخر من رمضان .. لكنه هذه المرة لم يكن قادراً على مشاركتهم طعام المائدة مكتفياً بقليل من الحليب ” فُت ” فيه قليل من( الكورن فلكس) مستحضراً لحظة وفاة عمه المغفور له بإذن الله وموعظة الموت التي برزت أمامه قائلاً لأبنائه: سبحان الله أنظروا يا أبنائي كيف نهاية حياة الإنسان ! فمهما بلغ ثراءه أو مكانته فليس له في الأخير سوى قبر لا يزيد طوله عن مترين ولا يزيد عرضه عن ثمانين سنتيمتراً وليس له إلا ما قدم لنفسه من أعمال صالحة . فقد مات عمي هائل سعيد رحمة الله ونزلت القبر لألحده بيدي وأهيل عليه التراب وبعد أن قمت بسد منافذ اللحد بالطين وهو أحب الناس إلى قلبي لكنه رحل وترك أمواله لغيره من الورثة وما خلفه من ذكر وأثر حسن . فلقد كان موته صدمة كبيرة لي .. يا أبنائي حين أبقى معكم إلى هذا الوقت للعمل رغم كبر سني فليس حباً في الدنيا ولا في زيادة الثراء فعندي بحمد الله ما يكفيني ويكفي أبنائي من بعدي إذا حافظوا عليه وأطاعوا الله فيه فأنا مثلكم لا أحتاج لأكثر من ثوب ألبسة ولقمة أكلها مثلكم و الأقل منكم وهنا أنتم ترون كيف أني لا أستطيع أن أكل إلا ما يأكله الأطفال ولكن الأمانة التي حملها إيانا أصحاب الأموال والمساهمون ورغبتنا في خدمة الوطن وإيجاد فرص عمل للأجيال القادمة ونريد أن نرحل من الدنيا وقد تركنا وراءنا عملاً يستفيد منه العباد والبلاد فالناس عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله كما جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. (7)
وهكذا نصل إلى نهاية حلقات قراءة في كتاب : المؤسس الأول للصناعة الوطنية .. الحاج علي محمد سعيد .. قصة كفاح أل السعيد وتجربة نجاح المجموعة للدكتور أحمد محمد الأصبحي .. وهو كتاب يقدم خلاصة تجربة ثرية لأسرة مكافحة وشقت حياتها في مجال التجارة والإستثمار وحققت نجاحات باهرة … وأعتذر عن أي تقصير في قراءة الكتاب ..
الهوامش:
( 1 ) د . أحمد محمد الاصبحي – المؤسسة الاول للصناعة الوطنية – قصة كفتح أل السعيد وتجربة نجاح المجموعة ص 111 – 113 .
( 2) المرجع السابق ص 114 – 116
( 3) المرجع السابق ي 117- 123
( 4) المرجع السابق ص 158 – 160
( 5) المرجع السابق ص 169 – 172
(6 ) المرجع السابق. ص 202
( 7) المرجع السابق ص 164 – 165
______________ أنتهى