- كتب: عارف الدوش
شريك رئيسي ومؤسس
كانت وفاة محمد سعيد أنعم في قريته قرض بالأعروق صدمة قاسية على الأبن
( علي) الذي كان يتابع نشاطه التجاري في الحديدة فبعد معاناة حول شحنة من الحبوب ( 750 ) كيساً صدرها إلى أحد التجار في جدة بالسعودية دون أن يكون له أي معرفة بهذا التاجر إلا من خلال معرفته أن تجار الحديدة يرسلون له بضاعتهم لتصريفها هناك .. فسافر إلى قريته ” قرض ” بعد أن أعلمة عمه هائل برسالة بعث بها إلى صديقهم الحاج سيف عبد الرحمن .. وعند وصوله قريته ” وقف على قبر والده وانفجر باكياً ولم يفق على نفسه وهو ينتخب على قبر أبيه إلا باليد الحانية من عمه الحبيب وصديقه الأقرب إلى نفسه هائل سعيد أنعم تمسح على رأسه وتربت على كتفيه وأخذ عمه يضمه إلى صدره بقوة وهو يقول له .. لا تهتم ولا تجزع يا بني لئن مات ابوك فأنا أبوك .. لقد لقى ابوك ربه وأنا بمقام ابيك .. كانت العلاقة بين علي محمد سعيد وعمه هائل أكثر من علاقة الأبن بأبيه فقد ظل الحاج هائل طول عمره يعامل علي محمد سعيد بإعتباره الأبن الأكبر له وليس إبن أخيه فحسب..
وبعد أن هدأت نفس الابن البار المكلوم بوفاة أبيه عاد إلى دارة فوجد أمه كانت قد أحتفظت بمبلغ من المال كان مع والده فسلمته أياه فأخذه وتوجه إلى عمه هائل قائلاً : هذا ما وجدته بعد أبي أضعه بين يديك .. فأكبر فيه مبادرته وزاد قدره عنده .. وعادل إلى عدن بعد خمسة أيام .. وما أن وصل حتى سارع عمه لترجمة وثيقة الشراكة التي حررها لأبن أخيه دون علمه إلى اللغة الإنجليزية ليتمكن من تسجيلها في المحكمة ثم قام بتغيير الأسم التجاري السابق للشركة من هائل سعيد أنعم وإخوانه إلى هائل سعيد أنعم وشركاه ليحفظ لأبن أخيه حق في النشاط كشريك رئيسي ومؤسس مع عمه الحاج هائل سعيد… ( 1)
إلى المخأ (مخ اليمن)
عندما قرأ علي محمد سعيد في صحيفة النهضة التي كان يحررها جرجرة في أحد أيام العام 1953 أن الإمام يحيى حميد الدين في شمال الوطن أصدر أمراً يقضي بتخفيض الجمارك على السلع الواردة إلى ميناء المخأ من 12% كما هو معمول به في جمرك الراهدة. إلى 8% فقد كان الأمام يرغب بتحول طريق الواردات القادمة من عدن عبر ميناء المخأ بدلاً من طريق البر الذي يمر بسلطنة لحج وذلك أثر خلاف بينه وبين سلطان لحج .. حفز هذا الخبر من طموح الشاب علي محمد سعيد ورأى أنه بأمكانه الإستفادة منه في نشاطهم التجاري في شمال الوطن .. (…) وكانت مقولة ” المخأ مخ اليمن ” قد أصبحت مشهورة جعلته يرسم لها صورة خيالية بديعة في ذهنه … ظل يلح على عمه أن يأذن له ليجرب هذه الممرة .. حتى نزل عمه عن رغبته فاتجه إلى شركة ( البس) مستفيداً من العلاقة التجارية معها وحصل على توكيل لتوزيع منتجات ( شل ) في الشطر الشمالي من الوطن وبدأ يجهز شحنة مكونة من 200 صفيحة من الجاز ( الكيروسين ) و100 كيس سكر و50 كيسا من النشا ليشحنها عبر البحر في حين تهيأ للسفر عبر البر .. ودع عمه فكانت لحج أولى محطاته التي وصل إليها وحجز لنفسه مكانا في إحدى سيارات نقل البضائع .. وقبل إنطلاق السيارة لمح عمه الحاج هائل وصديقه الحاج عبد الرقيب العبسي وحين لوح له العبسي بباكوة بيده يأمره بالنزول.. فنزل وبعد حوار مع عمه هائل أستطاع إقناعه بالبكاء والتوسل إلى عمه بالدموع .. فصعب على الحاج هائل حالة إبن أخيه وأخذ ورقة وكتب فيها رسالة على عجالة لأحد معارفه في الراهدة يدعى عبد الصمد الأصنج وكان يملك دكانا وسيارة كبيرة للنقل فطلب منه الحاج هائل أن يرافق إبن أخيه في سفره إلى المخأ ويساعده في توزيع البضاعة مقابل ثلث الربح..
وكان علي محمد سعيد قد اعتاد خلال ما يقارب العشرين عاماً من حياته أن يواجه مشقة العيش والتكيف مع مختلف البيئات التي يعمل بها ابتداءً من طريق القرية إلى عدن ثم السفر إلى الصومال وركوب البحر وأهواله ثم السفر من عدن إلى الحديدة .. أما الوضع في المخأ فقد كان مختلفاً فهي ليست أكثر من قرية ساحلية بائسة .. كانت مفاجأة كبيرة له ولمرافقه عبد الصمد الأصنج أن البيت التي استضافهم فيه من تعرفوا عليه كان الأفضل على الإطلاق بين البيوت المتواضعة.. تعرفوا على مضيفهم واسمه عبد الواسع عبد الرحمن الأصبحي الذي يعمل مشرفاً على هذا البيت الذي يملكه شكري زيوار المدير المالي للإمام في مقبنة يومذاك وقد كان البيت غير مأهول وبإمكانهم مشاركته الإقامة فيه …
وحين وصلت البضاعة إلى المخأ لم يكن هناك رصيف في الميناء وتم أفراغ البضاعة بقوارب صغيرة ثم من خلال اصطفاف العمال كجسراً بشريا لأيصال البضاعة إلى الساحل ومن ثم الى السيارة..
قرطاس الخبت..
وعند وصوله إلى تعز لمح رجلاً من مناطق حيفان والاعروق وما حولها من طريقة لف المشدة ( العمامة ) على رأسه تعرف عليه واسمه عبده محمد الحروي ويعمل في التجارة فعرض عليه ما لديه من البضاعة وتم دفع الضريبة وتخليص البضاعة ونقلها إلى مخازن الحروي .. ثم تهيا مع رفيقه الأصنج للعودة إلى المخأ وأخذ كمية أخرى من البضاعة تحرك بها إلى أسواق هجدة والقاعدة .. وهكذا استطاع علي محمد سعيد تصريف البضاعة وتعرف على التجار وكون علاقات معهم .. ثم أستاحر مخزناً للبضاعة وبنى له بيتاً صغيراً من الألواح .. واستمر يتعامل مع عبده محمد الحروي في تعز وفي زبيد مع محمد القرش الذي اعتمده وكيلاً له هناك .. ثم بنى له بيتاً من الياجور في المخأ وكان قد اشترى سيارة تساعده في تنقلاته .. وعندما حقق نجاحات طيبة طلب من عمه هائل الذي قابله في القرية أن يذهب معه إلى المخأ وانطلقا معا في سيارته وانزل عمه هائل في بيت شكري زيوار لعدم اكتمال بيته وعرفه بالمخا واستاذنه بالسفر إلى الخوخة لإستقبال البضاعة التي شحنها بالمركب إلى هناك لتوزيعها واستاجر مخزنا في الخوخة للبضاعة .. وكان علي محمد سعيد قد ازداد همه ونشاطاً وحيوية لفت أنظار أهل تهامة فشبهوه بقرطاس الخبت..
علي محمد سعيد لتعز وأحمد هائل لعدن
كانت تعز قد بدأت تشهد نشاطاً نسبياً في الحركة التجارية بعد فتح القنصليات والسفارات الأحنبية فقرر نقل أهله إليها وشرع في بناء بيته الأول عام 1957م في منطقة المخلوط الأعلى إلى جوار مدرسة الأحمدية وأقام وأسرته أعلاها وخصص جزء منها محلات تجارية وأجر الجزء الأسفل مخازن للنقطة الرابعة الأمريكية ثم بنى ثلاث بيوت أجر الاولى للملحق التجاري الروسي بمبلغ 300 ريال فرنسي شهريا والثاني للملحق الثقافي الروسي بمبلغ 200 ريال فرنسي وأجر الثالثة للمستشار الإقتصادي الروسي بمبلغ 400 ريال فرنسي .. وكان تواجد علي محمد سعيد في تعز عاملاً مساعداً لتطوير علاقاته بأعضاء السفارة الروسية إلى علاقات صداقة تعمقت بفعل الأيام وأقام خلالها علاقات إقتصادية أوسع على أساس المقايضة لعدم وجود بنوك تجارية في اليمن فكان يصدر لهم عددا من المنتجات اليمنية كالبن والجلود وغيرها ويستورد مقابلها منتجات استهلاكية أخرى كالسكر والأرز والكبريت والقماش (المريكن) .. وسافر إلى موسكو وعاد إلى تعز .. وهكذا استطاع أن يؤسس بقوة لاسم (هائل سعيد أنعم وشركاه)
فيما تمكن إبن عمه أحمد هائل سعيد من إدارة وتطوير نشاط المجموعة في عدن إلى جانب والده الحاج هائل.. نظم أحمد هائل العمل مستفيداً من مطالعاته وقراءاته واجادته للغة الأنجليزية التي ساعدته للإحتكاك بالأجانب على تحقيق نقلة نوعية في مجال إدارة العمل وأصبحت شركة هائل سعيد أنعم تمثل عدداً من الشركات الأجنبية في عدن مثل شركة بنجي الأستراكية للقمح والدقيق وشركة فورد الأمريكية للسيارات وشركة روثمان الإنجليزية وشركة سافالمنت الفرنسية للدقيق وغيرها … ( 2).
الهوامش:
(1) د . أحمد محمد الاصبحي – المؤسس الاول للصناعة الوطنية – قصة كفاح أل السعيد وتجربة نجاح المجموعة – ص 55 -61
(2) المرجع السابق – ص 62 – 81
_____________ يتبع