- كتب: عارف الدوش
البدايات الصعبة والشاقة:
والأن بعد أن طال التعريف أو البروفايل وأخذ حلقتين. نبدأ بالتجول في صفحات الكتاب و البدايات الصعبة والشاقة التي خصص لها المؤلف الدكتور أحمد محمد الأصبحي قرابة 45 صفحة من الكتاب وتوزعت بين بربرة وهرجيسا في الصومال وعدن والحديدة والمخأ والخوخة وزبيد وتعز .. وكان في هذه البدايات الصعبة والشاقة خسارة وربح قليل وتوكل على الله وتعب وكد وكدح . وقبل البدايات الصعبة والشاقة كان أل سعيد أنعم قد ذاقوا ويلات ومرارات الإغتراب في مرسيليا بفرنسا …
“شاءت الأقدار أن يجتمع الإخوة إثر عودتهم من بلدان المهجر وهم : محمد سعيد وهائل سعيد وعبده سعيد وجازم سعيد وانضم إليهم علي محمد سعيد الذي نُظر إليه كرجل خامس في الأسرة وقد شعروا بالأسى على سنواتهم الماضية التي قضوها بعيدين عن بعضهم بعضاً مغتربين كرهاً في ظل أوضاع صعبة لم يكن أمام أياً منهم خيار سوى النحت في الصخر والضرب في أصقاع العالم براً وبحراً لكنهم في إجتماعهم هذا قرروا وضع حد للغربة ! … رمى كل واحد منهم ما لديه على طاولة الأسرة الواحدة المتماسكة فكان المبلغ ( 1500) روبية وهو كل ما لدى الجميع وبعد تشاور وتبادل للأراء اتفقوا جميعاً على أن أنسب عمل يستثمرون فيه رأسمالهم المتواضع هذا هو تجارة الأقمشة والمعطارة في نطاق قريتهم والقرى المجاورة ” ( 1 )
لم تنجح تجارة الأقمشة والمعطارة في قريتهم والقرى المجاورة بسبب عدم تصريف البضاعة وكذلك لضعف القدرة الشرائية لدى الناس .. فبقيت كمية من بضاعتهم تصدقوا بها وحصروا ما باعوا وما تبقى لهم من رأسمالهم فوجدوا أنهم خسروا خُمس رأسمالهم ولم يبقى معهم سوى ( 1300) روبية .. ثم اتجهوا إلى تجارة أخرى هي تجارة المواشي من سوق الزيلعي بين تعز والراهدة إلى عدن التي كانت تشهد نقصاً في إحتياجاتها الإستهلاكية من اللحوم .. ولكن هذه التجارة هي الأخرى لم تكن صالحة لهم فواجهوا الخسارة ونفوق عدد من الأغنام عند نقلها من الراهدة إلى عدن فباعوا ما تبقى منها بأبخس الأثمان !… ( 2)
(1200) روبية كانت الأساس
يقول الحاج علي محمد سعيد : ” لقد كانت بداية التاسيس لمجموعة هائل سعيد أنعم وشركاه محدودة لا تكاد تذكر انطلقت أولى خطواتها بمبلغ ( 1200) روبية كانت كل ما بقى في أيدينا بعد صفقة الأغنام الخاسرة التي جلبناها من الراهدة إلى عدن .. اسسنا بها عام 1938م أنا والوالد المرحوم الحاج هائل سعيد أنعم في مدينة المعلا – عدن – نشاطنا التجاري الصغير قبل أن يتوسع فريق العمل بانضمام الأخوين المرحوم أحمد هائل سعيد والمرحوم سعيد عبده سعيد بعد عام 1947 م وكانت بداية صعبة وشاقة واجهنا معها الكثير من المشقة ونحتنا في الصخر وكرسنا جهودنا ليلاً ونهاراً بصدق وامانة وإخلاص ومثابرة وولاءً لله ثم للوطن”. (3)
جلس الفتى علي محمد سعيد مع عمه هائل يحسبان ما بقى في أيديهما بعد بيع الاغنام فوجدوه ( 1200) روبية .. وبعد طول تفكير أتفقا أن يبحثان عن دكان صغير للعطارة خصوصاً أن الفتى ( علي ) قد أكتسب خبرة لا بأس بها خلال عملهم بالمواد الغذائية. وكانت مدينة التواهي وعدن القديمة والشيخ عثمان مناطق مأهولة نسبياً بالسكان وتشهد حركة تجارية نوعاً ما غير أن بحثهم لم يفلح في العثور على محل مناسب في أي منها فقد كان رأسمالهما متواضعاً ولهذا كان عليهما إيجاد دكان بسيط حتى عثروا على مخزن للفحم بمدينة المعلا – عدن – فأستأجراه من صاحبه وأعادا ترميمه وطلاءه بالنورة ليناسب نشاطهم التجاري..
كان ذلك في عام 1938 م يوم كانت المعلا أشبه بقرية معزولة قليلة السكان وكان قرارهم فتح دكان في تلك البقعة كما يبدوا قراراً غير موفق في نظر الآخرين الذين أستنكروا عليهم ذلك .. وكانا يقولان لمن يستنكر عليهما ذلك . رزقنا الذي كتبه الله لنا سوف يأتينا ولو كنا على ظهر جبل شمسان . وزادهم إطمئناناً أن موقع الدكان كان بالقرب من المسجد فأستكملا تجهيز المتجر المتواضع.
ولا يزال علي محمد سعيد يتذكر أن أول عملية بيع قام بها كانت لامرأة صومالية ساكنة الى جوار المتجر بخمس عشرة عانة فأعلم عمه هائل الذي حمد الله ثم جاء اليوم الثاني ليزيد الدخل قليلاً دون أن يتجاوز سقفه المتواضع واستمر معدل الدخل كما هو في اليوم الثالث والرابع الذي وافق يوم الخميس فقرر العم هائل سعيد أن يحيي مولداً للذكر مع بعض الصالحين في المسجد الذي يواجه بابه الدكان الصغير .
وكان علي محمد سعيد ذو الثلاثة عشر ربيعاً هو القائم على عملية البيع في الدكان كما كان يقوم مع عمه هائل في توفير البضاعة والتعامل مع السوق وتطور الدخل إلى ( 15) عانة في اليوم والى عشر روبيات ( الربية= 16عانة ) ثم إلى أربعين ربية حتى صار رأسمالهم على مدى أربع سنوات يتجاوز (5000) روبية.
وبعد سنوات قليلة من النشاط التجاري في عدن وتحديداً في بداية الأربعينيات من القرن العشرين كانت المنطقة تشهد عدداً من التحولات والأحداث إستعادت خلالها القوات البريطانية مستعمراتها في الصومال وعاد معها النشاط التجاري بين عدن والصومال وقد رأى هائل سعيد وإبن أخيه أن يستفيدوا من هذه الفرصة في تطوير نشاطهما التجاري خاصة وأنهما سبق أن عملا في الصومال وان هائل سعيد قد عرض عليه صديق خلال فترة إقامته بالصومال التصدير لبعض السلع من عدن إلى الصومال ولكن الأمر بحاجة إلى رأسمال يصل إلى ( 15000) روبية في حين لا يتجاوز رأسمالهم( 5000) روبية”. (4)
الإقتراض .. الخسارة .. التعويض
تمت عملية الإقتراض من صديق مبلغ ( 10000) عشرة آلآف روبية على أن يتم السداد مع نصف الربح بعد بيع البضاعة وأستلام القيمة . وتم تجهيز بضاعة متنوعة من المواد الغذائية والأقمشة وغيرها وتم شحنها عبر البحر في انتظار وصولها إلى جازم سعيد أنعم في الصومال ليقوموا ببيعها . غير أن المركب الشراعي الذي شُحنت فيه البضاعة إلى الصومال تعرض لقذيفة من البحرية البريطانية فغرق وغرق جزء كبير من البضاعة وتم إنقاذ الجزء اليسير منها “. (5)
لكن لم يدركهما اليأس فذهب هائل سعيد إلى صديقه الذي اقترض منه ( 10000) عشرة ألأف روبية وأبلغه بما حصل ويسلمه وثائق الأرض التي تمتلكها الأسرة في القرية كرهن لسداد المبلغ الذي أقترضه منه … وكاد الشهر الأول ينقضي منذ حادثة غرق المركب والبضاعة وحدوث المأساة وكان هائل سعيد لا يكف عن ذكر الله ويتحلي بالصبر وأبن أخيه علي محمد سعيد يتخلق بخلق عمه ويجتهدد في عمله.
وجاءهم البشير .. قدم إليهم ساعي البريد برسالة من البحرية البريطانية تطلب من هائل سعيد حضوره إلى مقرهم في عدن وهناك أعلموه أن المركب تم اغراقه بالخطأ من قبل القوات البريطانية وطلبوا منه تقديم فواتير الشراء الخاصة ببضاعته.
وبعد عشرين يوماً من إستدعائه أستسلم قيمة بضاعته مضاف إليها 10 % كتعويض ولم يعد إلى الدكان إلا بعد أن توجه إلى صديقه ليرد إليه ما كان اقترضه منه مضافاً إليه 50% من قيمة التعويض الذي حصل عليه وتداول الناس هذا الموقف في نطاق واسع فقد احدث ذلك أثراً كبيراً من الثقة وصدى مريحاً بينهم ( … ) فقد كان هائل سعيد مؤمناً تقياً ورعاً وكان قريبا من ربه كثير الذكر له . وكان إبن أخيه علي محمد سعيد يردد قوله عز وجل : ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) سورة الشرح : الآيتان 5 -6 (6)
شركة (البس) والبيع بالأجل
ولهائل سعيد وإبن أخيه علي قصة أخرى مع الثقة وهذه المرة مع شركة ( البس ) وهي كبرى الشركات التجارية في عدن في عهد الإستعمار البريطاني لعدن .. فقد كانت من تداعيات الحرب العالمية الثانية صرف المواد التموينية من خلال بطاقات خاصة .. وكان هائل سعيد وأبن أخيه ” علي ” يضطران للوقوف يومياً في الصفوف الطويلة لطوابير إستلام الحصة المقررة وبيعها للمواطنين .. وكان مدير الشركة يراقبهما بإهتمام فطلب حضورهما إلى مكتبة وسالهما لماذا لا يأخذان حصتهما أسبوعيا أو شهريا .. فرد عليه هائل سعيد نشتري بقدر فلوسنا .. فرد عليه مدير الشركة خذوا حصتكما لشهر وبعد البيع يتم السداد .. وبعد أخذ ورد حول عدم وجود ضمانة لديهما رد مدير الشركة بلكنته الهندية أنا واثق بهذه الصورة الطيبة .. روح إلى “حسن زوقري” وخذ منه البضاعة التي تريدها … فقد وسع الله على هذه الأسرة الطيبة ونما رأسمالها وتوسعت أعمالها وتوزعت المهام .. هائل سعيد ظل يدير العمل بشكل عام في حين احمد هائل عمله في دكان التواهي وسعيد في قيامه بالمخازن بدكة المعلا بينما استمر كل من عبده سعيد وجازم سعيد في عملهما بالطاحون وفي عمل الدكان. ( 7)
تأسيس نشاط تجاري في الحديدة
كانت الحديدة تمر بطفرة زراعية وكان الكثير من التجار يقومون بتصدير كميات من الحبوب.. الذرة. الدخن والغرب واللوبيا والعدس والسمسم من الحديدة إلى عدن ثم يعيدون تصديرها مرة أخرى الى الصومال وجيبوتي والسعودية والهند ” مارماجوا” .. وأختار الحاج هائل إبن أخيه علي محمد سعيد للذهاب مع ابناء أخته ” علي عبده نعمان واخواه” إلى الحديدة لمساعدتنا في تأسيس لنشاط تجاري لهما ثم يعود إلى عدن.
لم يتمكن علي عبده نعمان واخواه من التكيف مع بيئة الحديدة فعادوا إلى عدن بينما بقى الشاب علي محمد سعيد ينشط في تجارة الحبوب ويمد شبكة علاقاته مع التجار ويتعرف على الأسواق واتجه إلى الحاج سيف عبد الرحمن ليضمنه لدى التاجر أحمد علي معجم لاقتراض (2000) ريال على أن يسلمها عمه هائل سعيد في عدن لمحمد علي معجم .. فكان ذلك .. ووسع علي محمد سعيد مجال عمله إلى البن بجانب تصدير الحبوب. ( 8)
______________ يتبع
الهوامش :
( 1 ) د . أحمد محمد الاصبحي – المؤسس الأول للصناعة الوطنية – قصة كفاح أل السعيد وتجربة نجاح المجموعة ص 33 و34
( 2) المرجع السابق – ص 34 – 35
(3) المرجع السابق – ص 202
(4 ) المرجع السابق – ص 37 – 40
( 5) المرجع السابق – ص 41
( 6 ) المرجع السابق – ص42 – 43
( 7) المرجع السابق – ص 44 – 46
( 8) المرجع السابق – ص 47 – 49
____________ يتبع