- كتب: صلاح الأصبحي
قد يستغرب القارئ من تذيلي لهذه السطور بيافطة قراءة ثقافية، لكن في الحقيقة أني قصدتها عن عمد، وذلك لما للنقد الثقافي من معطيات أجدها تكتنز في سياق هذا الكتاب، وسياق المبدع الذي يحتفي به أيضاً، وكذلك الإطار الثقافي العام الذي يمكن لنا كقراء أن نتعرف على علم من أعلام الثقافة والإبداع اليمني بحجم علوان الجيلاني.. الذي أجزم على أن الاقتراب منه بعيداً عن أدبيات النقد الثقافي سيمثل احتكاكاً مهترئاً وانحرافاً عن الوصول إلى عالمه الرحب، والإمساك بتلابيب وغايات الدروب التي تفصح عنها الظاهرة العلوانية عموماً.
علوان الجيلاني ليس مجرد مبدع ما في المشهد الثقافي اليمني والعربي فحسب؛ بل هو ظاهرة ثقافية مختلفة من حيث سياقاتها الثقافية والاجتماعية والتاريخية، لها امتدادات في الماضي والحاضر والمستقبل، ونكهة خاصة تميزها عن غيرها، وتمنحها فرادة وندرة لما لها من مرجعيات ثقافية ومغذيات خصبة دفعت بها إلى تشكيل حالة خاصة ملموسة وجلية تستدعي النظر لها عن كثب، وبصورة مختلفة عن أسماء ورموز إبداعية يمنية، وهذا السر الذي من خلاله يمكن تلمس خصوصيات هذه الحادثة الثقافية والوقوف معها لبرهة هنا..
من الهامش الثقافي والاجتماعي التهامي انبثق علوان، كمبدع تحدى هذا التموضع الثقافي الهامشي قاصداً صنعاء كتمركز ثقافي وإبداعي محاولاً كسر هيمنة النسق الثقافي، وإثبات وجوده كذات مبدعة تنتمي لذلك الهامش البعيد، الهامش الخصب الذي يغفل أرباب الثقافة والسياسة عمقه وعبقه وتاريخه الزاخر بحيوية الثقافة وتشربها كسلوك اجتماعي، وجزء أصيل من الهوية والتكوين الاجتماعي، ففي ذلك الهامش تمارس الثقافة كوعي وسلوك وأسلوب حياة, وليس كترف أو تسلية؛ بل كإلحاح وحاجة ماسة يتطلبه نمط الحياة والواقع هناك، وتفرضه أدبيات الوجود منذ قرون..
وهذا يعني أن الوقوف مع الظاهرة التي تجسدت في علوان الجيلاني ثقافة وإبداعاً متعدداً من أهم الأولويات الثقافية، التي يتوجب على كل المهتمين بالشأن الثقافي اليمني أن يطيلوا التأمل فيها، والتعرف عليها، ولملمة أشلاءها المتناثرة هنا وهناك، وإدراك كنهها كقيمة ثقافية تستحق الاحتفاء، ومحاولة تقديم صورة مقتضبة عنها، بما يجعلها ذات وضوح وحدود بالنسبة للقارئ اليمني والعربي عموماً.
جزء من مقدمة الكتاب.