- حاوره: محيي الدين جرمة – اليمن
يستشهد القاص والروائي اليمني وجدي الأهدل بمقولة لساراماغو ” الكاتب يكتب بقلمه ادبا محليا، الأدب العالمي يبدعه المترجمون ” وجدي الذي يحاكي دودة قز في صنعة النسيج وحياكة الحكاية،بقي نهمه متجددا بشغف القراءة الذكية، وبصورة شبيهة الى حد كبير بإحدى طبائع بورخيس في علاقته بالمكتبة..
يمتاز بروح الكاتب الزاهد رغم حضوره ووصول ابداعه الى القارات، حيث ترجمت معظم رواياته الى عدد من اللغات الحية ونوه عالميا الى ان احداها استحقت من بين 100رواية وصف” جديرة بأن تقرأ لتميزها لجهة ادب الغموض والجريمة”.
_هل يقلل توظيفك للأسطورة الشعبية “الميثولوجيا المحلية” في بعض أعمالك، من حظوظ ترجمتها إلى لغات اجنبية؟مجموعة قصص “وادي الضجوج” مثلا؟.
- العكس هو الصحيح، هناك اهتمام دولي يتزايد يومًا بعد يوم بالأساطير والحكايات الشعبية في جميع أنحاء العالم، وتضمين هذه الأساطير والخرافات في أيّ عمل أدبي يُحقق له قيمة مضافة.
_في السنوات الأخيرة حظي منجزك القصصي والروائي من خلال بعض رواياتك بتقدير عربي وعالمي، كيف تلقيت ذلك، مرارا؟.
- تلقيتُ ذلك بشيء من عدم التصديق. فاليمن بلد على هامش الثقافة العربية، والثقافة العربية هي الأخرى على هامش الثقافة العالمية، أيّ أننا هامش الهامش! لذلك لست أتوقع أيّ تقدير من أيّ نوع، فإن حدث فإنه سيكون من باب المصادفة البحتة. يجب على الكاتب في ثقافتنا العربية أن يأمل في النجاة فقط، فإذا نجا من التكفير والسجن والنفي وسواها من المصائب، فقد فاز وأفلح!.
_ترجمت جل أعمالك الروائية، كما ترجمت فصول منها، وحظي بعضها بمناقشة رسائل ماجستير ومقتربات أدبية ونقدية كتبت عنها، إضافة الى مسرحة جوانب منها كرواية (بلاد بلا سماء)، ما موقفك حيال ترجمة عمل جديد لك أو قديم، هل تزهد بحضور العمل خارج حدود بلدك، حتى مجردا من استحقاقات أخرى مادية مثلا، قد تترتب على ذلك؟!.
- النظرة الصحيحة للترجمة هي أن يُسقطها الكاتب من حسابه تمامًا، وعليه أن يُركز على الأمة التي يكتب بلسانها فقط. فعليه أن يكتب عن مجتمعه المحلي وقضاياه، وأن يمتلك رؤية إنسانية، وما سوى ذلك لا أهمية له.. فأعمالي المترجمة لم تعد كتبي، ولكنها كتب المترجمين.
_إسقاط مواضيع نوعية برؤيا النقد الأكاديمي حول رواياتك وتجربتك، هل مثل برأيك إضافة وحافزا بمنأى عن الضجيج أو الجعير الإعلامي والثقافي، فقد عرفت خجولا ومنكفئا وزاهدا بطبعك؟.
- هذا الاهتمام الأكاديمي جيد، ولكنه لا يشكل حافزًا، فالحافز الحقيقي يأتي من الداخل، والتطور الروحي لن يتأتى بعوامل خارجية، ولكن عبر خبرات تكتسبها الذات وهي تمضي في رحلة الحياة.
_ثمة نزوع ما في أدب وجدي الأهدل، إلى الرضا بتكريس نمط من الثيمة الواحدة، والتي غالبا قد لا تنبت عن بيئتها أحيانا، وإن غلفت بسمات فنية وجمالية. هل تجد أن مقولة “الكاتب ابن بيئته” لاتزال قادرة على العيش أكثر؟.
- أُقيم في صنعاء، لذلك من الطبيعي أن أكتب عن بلدي. ومن أبسط قواعد الكتابة أن يكتب المرء عما يعرفه. ولعلها مجازفة أن يكتب أحدهم عن شعب لا يعرفه أو عن بلد لم يزره. وللروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو مقولة توضح هذا المعنى: “الكاتب يكتب بقلمه أدبًا محليًا، الأدب العالمي يبدعه المترجمون”.
_ما علاقة وجدي الأهدل بالتجريب الذي غدا ملتبسا كمفهوم لفرط تداوله واستهلاكه، اليوم الرواية بتقنياتها تخضع لمسابر وتقييمات عدة، فيما يخوض كتابها غمار الفلسفي والمعرفي كمزيج ضمن مغامرة ولعبة السرد وحداثات الخيال العلمي المواكبة بتيمات واشكال الرواية الرقمية حديثا؟.
- أول رواية كتبتها وهي “قوارب جبلية” حملت محاولة للتجريب.. ولكن هذه النزعة التجريبية ماتت في نفسي بعد الهجوم الذي تعرضت له الرواية. ورأيي الشخصي أن المجتمعات العربية لا تتقبل الروايات التجريبية.. السياق الاجتماعي الذي نحيا فيه الآن هو سياق محافظ وتقليدي، وأيّ خروج على هذا السياق ولو حتى في نص أدبي ستكون له عواقب وخيمة. الخيار الأفضل هو أن يرسخ الأدب حضوره لدى السواد الأعظم من الشعوب العربية بأعمال تُراعي تقاليد الكتابة السردية، وأما “التجريب” فسيأتي وقته المناسب، أيّ عندما تدعو إليه الحاجة بإلحاح من تلك المجتمعات نفسها.
_تذهب بعيدا في استخدام تقنيات جديدة، وهذا دأب كل روائي لا يعوزه الذكاء، في حيازة أدواته الخاصة وأساليبه المتعددة في الكتابة من عمل الى آخر جديد، ما الميزات برأيك التي يتوجب على الكاتب وضعها نصب عينه وحواسه وحدس الروائي لديه؟.
- أهم ميزة للكاتب أن يكون قارئًا، القراءة هي التي تخلق الموهبة. الميزة الثانية أن يواظب على تمرين الكتابة اليومية، لأن هذا الروتين اليومي هو الذي يخلق الأسلوب. التقنيات ليست شيئًا يمكن نسخه من كتاب نقدي، ولكنها قراءة معمقة للأعمال الأدبية العظيمة والتأثر بها حتى النخاع. التأثر ليس عيبًا، إنما العيب محاولة تقليدها.والكاتب الجيد هو الذي يقيم حوارًا إبداعيًا مع أسلافه، ويكمل من حيث انتهوا.
_هل يعن لشخصيات الرواية أن تسافر إلى أماكن بعيدة، الى عوالم خارج أمكنتها، وأزمنتها، أم أن ارتهان الشخصية لموجهات الكاتب، يعد ضعفا، في عدم تعذر تواريه، وتجرده ذاتيا؟.
- إذا لم أُخطئ في فهم سؤالك، أظنك تقصد الصوت المهيمن للمؤلف على شخصياته، فيظهر العمل الروائي موجهًا بإرادة واحدة.. هذا خطأ يقع فيه 99% من كُتاب الرواية. الناقد الفرنسي رينيه جيرار خصص كتابًا لهذه المعضلة عنوانه “الكذبة الرومانسية والحقيقة الروائية”. وفيه ذم للروائي الرومانسي (المغرور) الذي تستحوذ رؤيته الأحادية على العمل الروائي، ومدح للروائي الحقيقي الذي (يتواضع) ويقبل بتجاور رؤى معارضة لرؤيته في العمل الروائي.
_رأيك حيال أعمال عربية، أخذ بعضها ينحو في الكتابة بدافع التجديد واللامألوف أو لكسر النمط، وإرضاء فرص الترجمة أحيانا، بحيث يجد في خلق شخصيات وأجواء وأحياز وفضاءات وأحداث خارج محيط البلد الذي يعيش أو يقيم فيه أفكارا غير مقيدة؟.
- غالبًا هذا الروائي أو الروائية قد أُقتلع من بلده ويعيش في المنفى، ولذلك من البديهي أن تجري أحداث رواياته في الجغرافيا البديلة، بل وحتى أن تتغير القضايا التي يتناولها وتغدو أكثر تماسًا مع قضايا المجتمع الجديد الذي انتقل إليه. أحيانًا خوفًا من الرقابة والمتصيدين في الماء العكر يلجأ الروائي إلى حيلة إنشاء وطن أو مدينة فاسدة متخيلة من الألف إلى الياء، وأحيانًا يقيم الروائي أحداث روايته في بلد بعيد وهو يقصد بلده ذاته.
_هروب الكاتب غالبا من رقابة داخلية أو خارجية قد يتيح مجالا أوسع للتعبير في كتابة الرواية،هل يمكن عد ذلك خيارات يتيحها الروائي أنى شاء؟ ومتى تشكل الذات الكاتبة مصدا رقابيا؟.
- لا أتفق مع الرأي القائل بأن الرقابة تساعد على الإبداع.. هذا مثل الذي يقول إن قطع الأشجار يساعدها على النمو! سبب تفوق الرواية الغربية على الرواية العربية هو عنصر (الحرية). لأن الحرية هي التي تهيئ الظروف المناسبة للإبداع والاختراع والتفكير خارج الصندوق. وبما أن الحرية مفقودة في عالمنا العربي فإن الكاتب بدلًا من أن يُطور أسلوبه، إذا به يُطور حاسته الرقابية، وكلما ازداد جمهوره أحكم رقيبه الداخلي قبضته على قلمه أكثر.
_هل ترميز المحلية في أعمالك، سمة تتغياها فنيا، أم أن المقصود هو مجرد التوظيف وفقا لرؤية وتكييف فكرة السرد وطابع الحكاية؟.
- في عالم الرموز لا وجود للمحلية، جميع الرموز ذات طابع شامل وهي مشتركة بين جميع الأعراق البشرية. يولد الإنسان وهو مزود بهذه الرموز ولا يحتاج إلى اكتسابها من مصدر خارجي. الإنسان العادي يرى هذه الرموز في أحلامه، وأما الكاتب فيقوم بترميز الواقع.
_تترك أعمالك أصداء لا يستهان بحضورها خارج حدود الزمن المحلي الذي تعيشه شخصياتها أحيانا، في السياق، كيف تتعين مسارات التخييل الروائي لديك، أو كما تراها؟.
- النطفة الأولى للرواية تبدأ من استحواذ شخصية ما على تفكيري. عندما يحدث ذلك تأخذ تلك الشخصية في الإلحاح على البزوغ من العدم. أكون مشغولًا بأعمالي الروتينية فإذا بها تظهر في ذهني بلمحة ما، فأسارع بتدوين تلك اللمحة في قصاصة. أجمع تلك القصاصات في مظروف، وأثناء الكتابة يظل ذلك المظروف بقربي، فهو المخزن الذي يمدني بالمعلومات التي أحتاجها عن الشخصية. أعتقد أن الرواية الجيدة هي التي تُبنى على الشخصيات، وليس على مراكمة الأحداث، ولذلك أحاول التركيز أكثر على الشخصيات.
_ما مدى قربك وما هي رؤيتك تجاه القص والرواية في الخليج؟.
- منذ عشرين عامًا وأكثر أتابع المشهد الروائي والقصصي في عمان، وأجدني دائمًا بإزاء أدب متطور وجدير بأن يُقرأ وأن يُتداول على نطاق واسع. من الأعمال الروائية التي تأثرتُ بها رواية “بن سولع” لعلي المعمري التي لم تُفارق ذاكرتي البتة. كذلك تعرفتُ منذ فترة مبكرة على الأعمال الأدبية لعبدالعزيز الفارسي وأُعجبتُ بها. قرأتُ أيضًا لسليمان المعمري ومحمد عيد العريمي ومحمد اليحيائي وآخرين. لاشك فوز جوخة الحارثي بجائزة مان بوكر الدولية عام 2019 عن روايتها “سيدات القمر” يظهر بجلاء استحقاق الأدب العماني لتقدير أعلى بكثير من الموضع الهامشي الذي يضعه فيه النقاد والمثقفين العرب. وهذا الفوز أعتقد أنه سيساهم في تحفيز جيل المبدعين الشباب في عُمان على خوض غمار الإبداع الأدبي بثقة واقتدار.
- عن مجلة العربية