- هدى جعفر
لا أعلم من أول شخص أحضر شخصية “روقة” من هامش الذاكرة إلى متن الفيسبوك، لكنّه موضوع يفتح النفس للحديث دومًا كعادة كل ما هو متعلق بالنساء أو السينما أو الأنماط الاجتماعية في الأفلام أو كل ذلك سويًا.
صدر فيلم “العار” لعلي عبد الخالق في 1982، أي ذروة انتشار الدخول الثاني للمخدdرات البيضاء إلى مصر (المرة الأولى كانت على يد العمال الذين اشتركوا في الحرب العالمية الأولى).
كما صدر أيضًا بعد عامين من فيلم “الباطنية” وقد ذكرت فيلم الباطنية لأنّ فيه واحدًا من أكثر المشاهد إزعاجًا وإفزاعًا بالنسبة لي فيما يخص “العار” المتعلق بعالم التعاطي والإدمان (مشهد الأب الذي يرهن طفلته).
يحكي “العار” عن كمال (نور الشريف) الذي يرث سر أبيه العطّار الذي تاجر بالمخدرات، رغم تدينه ومخافة الله التي يتغطى بها دائمًا، يقع العبء على كمال في استلام البضاعة سرًا، لكن تضطره الظروف لإخبار عائلته بـ”عار” الأب فيواجه معارضة شديدة خاصة من شقيقيه (حسين فهمي، ومحمود عبد العزيز).
يتزوج كمال من روقة، التي قامت بدورها النجمة بالغة الجمال نورا، وروقة مخيال “ثري دي” لكمال وغيره الكثير، وكانا يعيشان في سعادة وهناء، ويتبادلان العواطف الجياشة بلا توقف.
ومن شاهد الفيلم يعرف أن روقة تموت غرقًا أثناء محاولتها إخراج البضاعة من البحر مع زوجها وشقيقه بعد إحجام الشقيق الثالث (حسين فهمي)، وعندما يجد الناس جثتها الغارقة صباح اليوم التالي، يُنكر كمال معرفته بها، ومنذ فترة غير قصيرة يدور جدل في فيسبوك وغيره، مفادها ألا يجب على النساء إطاعة أزواجهنّ مثل روقة حتى لا تلقين مصيرها، أو “لو هذا مصير المرأة التي لا تعرف حقوقها” أو ” لو كانت روقة سترونج اندبنتنت لما حدث لها ذلك” وغيرها من العبارات التي أجدها غير مفهومة وغير صحيحة للأسباب التالية:
- هناك جهل ثلاثي يقع خلف الاعتقاد بأنّ روقة ماتت لأنّها كانت زوجة “تقليدية” تطيع زوجها دون تبصّر: جهل بالعلاقات الإنسانية، وجهل بمعنى الصراع الدرامي وفنيات السينما، وجهل بقصة الفيلم لأنّ روقة هي من اقترحت النزول للبحر.
- إن أهم ما لدى صانع العمل الأدبي/الفني هو أن يملأ عمله بكل ما يمكن أن يخدم عمله، ويعمق من تأثيره، ويؤكد على رسالته والـ”مورال” الخاص به، لقد أنكر سي كمال معرفته بروقة ببساطة لإنّ درامية القصة تكمن هنا، الفيلم يتحدث عن حمولة “العار” فيما يخص تجارة المخdرات، الموضوع ليس وعظًا ولا ذكورية، إنها تجارة محفوفة بالمخاطر بالفعل، ولا يوجد “عار” يلحق بـ”ابن البلد” أكثر من كونه يُنكر امرأته بهذا الشكل الخالي من “الرجولة” كما يعرفها سي كمال ومن على شاكلته.
- لو كانت شخصية روقة شريك مثلي أو صديق مخلص لكمال، لمات أيضًا نفس الطريقة ولأنكره سي كمال أيضًا، لأنّ هذه هي رسالة الفيلم، ليس للأمر علاقة بطاعة روقة، أو كونها أنثى، أو شخصيتها المستقلة، أو انصياعها، أو غير ذلك، الأمر له علاقة برسالة الفيلم “العار” ولا شيء آخر.
- من ناحية أخرى لم يخلق كاتب السيناريو محمود أبو زيد شخصية روقة ليشجع هذا النمط على العلاقات، ولا لأنه يقدم روقة كنموذج للمرأة المطلوبة، صناع الأفلام مُسخرّين لكل ما يخدم فكرة عملهم، وعليه فإنّ محبي روقة للأسباب “الذكورية” عليهم أن يضعوا حماسهم جانبًا أيضًا.
- روقة ماتت لأنّ معنى الفيلم يكمن هنا، لقد ظل المخرج يحشد كافة العناصر التي تجعل وفاة كمال هي الأقرب، لكن روقة هي اللي ماتت، لإغراق البطل أكثر في شعوره بالـ”العار”، ولتحقيق “خضة” درامية في موت أجمل امرأة في الفيلم، والملاذ الآمن للبطل كمال الذي كان “يقلع همومه على عتبتها”، ماتت روقة لأنّ موتها ضرورة فنية ودرامية، ولا شيء غير ذلك.
- لستُ من أنصار تحليل الأفلام من وجهة نظر العلاقات الاجتماعية والنسوية (أو أصبحت هكذا لأسباب لا مجال لشرحها هنا) لكن لا يمكن أيضًا فصل الجماليات عن دور السينما في تشكيل صورة المرأة والرجل لدى المشاهدين، لكن من المهم جدًا أن يكون التفكيك الجندري تفكيكًا منطقيًا، يضع السياق قبل كل شيء، ويوسع دائرة رؤيته لتشمل الكثير من العناصر، وإن تصارع الجماليات الفنيّة على حقوق الإنسان فكفة الفن هي التي يجب أن ترجح دومًا.
- وأخيرًا، روقة ماتت لأن دي نهاية البشر، حتى الفيمنستات!