- لطفي نعمان
وأميني من مشي بي صدقه * نحو إشراقي لا نحو غروبي
هو ذاك المجاهد الوطني الحر الكبير الشيخ أمين عبدالواسع نعمان (مواليد 1908م)، الراحل عن دنيانا في الثالث من مارس 1997م بعد تسع وثمانين عاماً توزعت بين يُتْمٍ وعلمٍ وعمل ونضال وسجن ومواقع إدارية وسياسية. ومشاركة في أخطر التحولات الوطنية، ومعاصرة لأهم التفاعلات السياسية خلال القرن العشرين.
بعد أن تلقى علومه في زبيد وعمل في غير منطقة يمنية، واختلط بهموم المواطنين، وخبر أساليب الإدارة المتخلفة والمتقدمة وفضّل الأخيرة بما يوائم حاجة البلد إلى مواكبة العصر، كما أرادها “الأحرار اليمنيون” ثم اعتمدوا على “أمينهم” في صون أسرارهم ومراسلاتهم ومكاتباتهم أثناء سجنهم في حجة مرتين عام 1944م، و1948م. وتشير كثير من المراجع التاريخية إلى قدرته على تدبير احتياجات المساجين “الأحرار” لتوثيق لحظاتهم وملاحظاتهم. بخلاف ما استطاع على مدى عمله في العهدين الإمامي والجمهوري من تجنيد كثير من العناصر لصالح الحركة الوطنية.
“مشى بصدقه” إلى صفوف القبائل يختبر قدراتهم ويحتضن مواهبهم، وينميها لصالح بناء اليمن الجديد، بعد يأس من إصلاح العهد السابق. ولا يدرك دوره المحوري إلا من أوتي علماً –لا ادعاءً- بتاريخ الحركة الوطنية عامة وحركة الأحرار اليمنيين على وجه الخصوص وتفاصيل العلاقات بين قطاعات هذه الحركة.
وفي أول تشكيل حكومي لجمهورية 26 سبتمبر 1962م عين وزيراً للآثار، ثم تم تعيينه عضو مجلس رئاسة عام 1963م قبل تعيينه محافظاً للواء تعز، عام 1964م حيث تشكلت هناك نواة أزمة أغسطس “الأولى” التي تم تلافيها سريعاً من قبل الحكماء جميعاً وهو بينهم، أمام طيش بعض المندفعين.
ومع اختلال الموازين والمعايير في ظل النفوذ المصري، والنزاع اليمني داخل صفوف الجمهورية، جرى اعتقاله عام 1965م، ثم يخرج من المعتقل داعياً لانعقاد مؤتمر الجند في أكتوبر 1965م، الذي أسس لموقف الجمهوريين في مؤتمر حرض عام 1965م.
موقفه المعتدل والمتزن من الأحداث وعلاقاته بكل الأطراف اليمنية عام 1966م، لم يشفع له مع سنه من دخول السجن الحربي بمصر، حيث سجلت أول سابقة دولية باعتقال حكومة بلد عربي في حكومة بلد عربي آخر، كان الشيخ الأمين فيها وزيراً للزراعة.
وبعد خروجه عام 1967م من المعتقل، عاد إلى تعز، إثر رحلة علاج واستشفاء جراء متاعبه الصحية التي عاناها خلال السجن بمصر. وعين محافظاً للواء تعز، عقب حركة 5 نوفمبر 1967م، وتولى تجييش كثير من العناصر الوطنية لفك الحصار عن العاصمة صنعاء. إلى أن شجع مساعي السلام والمصالحة الوطنية بين اليمنيين، الذين قدروا لـ”العم أمين” كما كانوا ينادونه جل مواقفه وآرائه.
انتقل إلى محافظة لواء إب لفترة وجيزة عام 1970م، قبل تعيينه محافظاً للواء صنعاء، حتى عام 1975م، ليصبح في ظل حركة 13 يونيو 1974م نائباً لرئيس اللجنة العليا للانتخابات. ثم مستشاراً لرئيس الوزراء للشؤون الداخلية. ويظل من ذلك الوقت شاهد عصر ومعاصراً لكثير من التفاعلات، شمالاً وجنوباً خبيراً بخفاياها، ملماً بدقائق الأمور. حافظاً لأسرارها. فكان “الأمين” حقاً. وعاش معتزاً بذاته صامتاً عن دوره التاريخي الكبير تواضعاً وزهداً في الظهور. رحمه الله.