- محمود ياسين
بوتين يرتدي الكوت والجنبية متكئ في ركن هذياناتي ويستشيرني بشأن توقيت إبادة أوروبا، حتى أنه أقترح وضع الحقيبة النووية في عهدتي لأقوم أنا بالضربة، وقبل أن يغادر على عجل قال: العالم بذمتك.
القط الذي بدأت معه صداقة منذ أيام على باب العمارة قابع في أفق العالم خاصتي على انه تمثال الحرية اثناء مرور السفينة التي انزوي في ركن منسي منها كمعاجر غير شرعي، حتى أنه غمز لي متواطئا وبملامح من يكافئ العالم الثالث برمته عرفانا بعلبة تونا قدمتها له قبل ساعات.
في الحمى يحتشد رؤساء ماقبل الربيع العربي كأنهم ينتظرون البيجو في فرزة تعز، حتى أن القذافي سألني بنبرة تعنيف: وين الكتاب الأخضر اللي اعرتك ياه ؟ وانا أقسم له بصدق أن المياحي سرقه مني وكتب رواية بديلة.
في الحمى يعطس رأس كان لك يوما، يعطس من مكان بعيد في العالم، على طريقتك ووفقا لطاقة أنفك المبالغ فيه وذهول عينيك الاعتيادي، كأن الرشح من رأسي الذي انخرط في المقاومة الاوكرانية وبقي عالقا في جليد الحدود الشمالية دون سلاح ولا ثناء للشجاعة اليمنية من ملكة جمال أوكرانيا التي وبسببها اتخذ رأسي قرارا مصيريا لم يتنبه له أحد.
في الحمى لديك اختبار رياضيات ثالث ثانوي في الصباح ولم تذاكر، وفي الحمى المدينة أسنان وحش ظل طريقه، والقرية حجرة على السفح الجبلي تصطك اسنانها نيابة عنك، في الحمى أنت عضو مهم في منظمة غامضة، وانت اشتراكي في لندن يسأل المارة: تعرف بيت الدكتور ياسين ؟.
في الحمى كل ماترسب في وعيك الباطن هو أوركسترا في البلشواي تعزف بالملاعق وصحون مطابخ وقبعات عمال مناجم وأنت جالس في الصف الأخير والحشد يصرخ: هذا اليمني مزعج.
في الحمى تتدفق الأحداث من أيام الحمدي والغشمي وصالح والوحدة والجنرالات والمشايخ والأحزاب وتجرفك وانت سلك شائك على حدود بين دولتين لا تدري أيهما دولتك ولا من أي الجهات دفعتك الريح ولا إلى أي وجهة تمضي القطعان الشاردة.
حزنت لأجل بنطلوني الجينز الذي نسيه المغترب في الجمارك ورحت انشج بصدق فقد كنت معولا الكثير على ذلك البنطلون في عملية تسوية مابين جسدي ووجودي من ارتباك.
تذكرت في المحيط الهائل كل ما سقط مني في القاع ولم أتخفف ولم أتمكن من النجاة، بينما طفت جثث الموتى الأعزاء مسترخية في الجوار على سبيل تخفيف حسي العائم بوحشة النهايات.
لمحت جثتي عائمة هي الأخرى، بكامل قيافتها واحتشادها للمساندة ضمن فيلق شجاعة الطفو، فقط كان راسي مقضوما يحدق بي اثناء تباعده بسأم، وكأنه ” ويلسن ” في فيلم ” كاست واي ” لم أحاول مناداته حتى، استسلمت فقط لتلك الراحة التي تكتنف جسدا تعب من التشبث واستسلم ليقين الاستقرار القاع المظلم، المظلم كفاية، حيث لا يراك ولا ترى ولا ثم غير العتمة دون ندم.