- د. عادل الشرجبي
الدولة هي كيان سياسي يسعى إلى بناء كيان ثقافي مكمل هو الأمة nation، وهي الفاعل الرئيس في بناء الهوية الوطنية، لذلك يمكن وصفها بأنها بوتقة أو مصهر melting pot يعمل على صهر الهويات الأولية القبلية والمذهبية والعرقية والطائفية، لتعيد صبها في بنية ثقافية جامعة هي الأمة، وإذا نجحت في هذه المهمة تغدوا دولة أمة nation state، ولتحقيق ذلك في اليمن على الدولة أن تجمع الزيدي، الشافعي، المذحجي، الحميري، الحاشدي، البكيلي، الهاشمي، العدناني، القحطاني، الجبلي، التهامي، الشمالي، الجنوبي، البدوي، الحضري، الرجل والمرأة، وتعيد تشكيلهم بحيث ينظر كل واحد منهم لنفسه باعتباره مواطناً يمنياً، وينظر للأخرين باعتبارهم مواطنين يمنيين متساوون معه في كل الحقوق والواجبات، دون تمييز، ولا تستطيع الدولة تحقيق ذلك إلا إذا تبنت في تشريعاتها وخططها واستراتيجياتها وممارساتها وتعاملها مع المجتمع مبادئ المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية، واجتهدت في توفير الأمن والقضاء النزيه العادل، وتوفير الخدمات الأساسية، وتحسين الأوضاع المعيشية لكل مواطنيها، ومكافحة الفساد والفقر، وعملت على توفير فرص العمل.
في ضوء ما تقدم، هل نجحت الدولة في اليمن في بناء الهوية الوطنية؟ في الحقيقة، نجحت الدولة في الجنوب قبل الوحدة نجاحاً باهراً في بناء الهوية الوطنية، وفي الشمال بذلت الدولة خلال حكم الرئيسين السلال والحمدي جهوداً كبيرة لبناء الهوية الوطنية، رغم المقاومة الشديدة التي أبدتها القوى التقليدية، وفي فترة حكم علي عبدالله صالح، رضخت الدولة لمطالب شيوخ القبائل، وتحولت الدولة من دولة أمة إلى دولة سيامية، تتمفصل فيها الدولة مع القبيلة، وبعد الوحدة كان طموح اليمنيين أن يتم بناء دولة وطنية ذات نظام سياسي ديمقراطي، إلا أن القوى التقليدية أعاقت تحقق هذا الحلم، وأشعلت حرب صيف 1994، وبعد الحرب عدلت دستور دولة الوحدة مرتين عامي 1994 و 2001، وألغت نص المادة (27) من دستور دولة الوحدة، التي كانت تنص على ما يلي: “المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو اللون أو الأصل أو اللغة أو المهنة أو المركز الاجتماعي أو العقيدة”، واستبدلتها بالمادة (41) التي تنص على ما يلي: “المواطنـون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبـات العامـة”، مستبعدة النص على عدم التمييز، ما يشير إلى توجه الجماعة الحاكمة المؤيد للتمييز، وسعيها الممنهج لتدمير الهوية الوطنية، وعلى مستوى الممارسة، مارست السلطة التهميش والإقصاء والإستبعاد ضد كل من لا يواليها. الأمر الذي دفع المواطنين لإحياء هوياتهم القبلية والعرقية والطائفية، وبات المجتمع اليمني مجتمعاً مفككاً، وجاءت الحرب القائمة لتزيد الطين بِلة، وتحول المجتمع اليمني من مجتمع مفكك إلى مجتمع منهار.