- د. قاسم المحبشي
كل تعريف تحديد وكل تحديد سلب وباضدادها تتعين الاشياء وهوية الجماعة هي إيديولوجيتها ” وحيثما تختلج (نحن ) فستكون (إيديولوجيا ) وحينما يتعذر قول (نحن) لا تكون (إيديولوجية).. لأن ولادة إيديولوجية معناه ولادة جماعة ” وتلك الصيغة هي التي وجدت رواجها في فكر ما بعد الحداثة الذي ينفي وجود هوية ذات مستقلة قبل وجود محمولها، فلا تتأسس هوية الذات إلا في علاقتها بالآخر وهكذا تتحدد المفاهيم بوساطة ما لا تكونه، بل إن الفيلسوف الأمريكي ريتشارد رورتي وصفها ب “النقلة الحاسمة في إعادة تفسير العلاقة بين الذات والموضوع.. لا يوجد أساس أو جوهر أو محل وراء الصفات أو المحمولات.. بل توجد }الهويات{ فقط كما يجري تمثيلها في شكل مادي ملموس” نخلص مما تقدم إلى أن الهوية الجمعية هي بنية ثقافية تاريخية تمنح المنتميين إليها إحساسا بالتماهي مع ذاتهم الجمعية ( نحن ) التي تميزهم عن الجماعات الأخرى, فضلا عن كونها إيديولوجيا كلية تحدد نظرتهم إلى ذاتهم وإلى الآخرين وإلى التاريخ والحياة والعالم.
وإذا ما اتفقنا بأن كل الناس هم بني آدم وحواء فهذا معناه أنهم على درجة متساوية من حيث الحسب والنسب والأصل والنوع والجنس.. أليس كذلك؟ إذ انهم بذلك ينتمون إلى الهوية الإنسانية المشتركة بوصفها مسلمة بديهية فمن أين تأتي العنصرية والتمييز والاختلاف الهوياتية بين البشر؟ إننا بصدد استراتيجيات هوية بوصفها رهانات صراع أجتماعي ثقافي بين الفاعلين الاجتماعيين في عالم الممارسة الحياتية التاريخية؛ الممارسة التي تعبر بوضوح عن معناها حسب بول فيين، “إذ هي ليست مثالا غامضا أو أرضية تحتية للتاريخ أو محركا خفيا، بل ما يفعله الناس” في حاضرهم المباشر، حيث يكدون ويكدحون ويتدافعون ويتسابقون ويتنافسون ويتصارعون في سبيل الحصول على مقدرات وعناصر العيش المادية والمعنوية، إذ تكتسب الخطابات والرموز والتصورات والأسماء والمسميات والتعريفات والصفات والهويات الفردية والجمعية أهميتها وقيمتها وفاعليتها ودلالتها، وقوتها وسلطتها، إذ إن سلطة الكلمات والرموز لا توجد في ذاتها وبذاتها، بل تستمدها من خارجها، من سلطة الذين يستخدمونها في الواقع المتعين.
وفي علاقة السلطة بالمعرفة، لا شيء خلف الستار، والإنسان بكونه فاعلاً اجتماعياً تكون جميع الأدوار التي يؤديها محل تفاوضٍ، بحيث يصوغ كل فرد أداءه لدوره تبعاً لما يراه من متطلباتٍ لكل موقفٍ وتبعاً للباقين (الآخرين).
وبهذا يكون بوسع الشخص امتلاك العديد من الذوات المختلفة بحسب اختلاف كل مجموعة من الأشخاص يتفاعل معها ويكون لآرائهم أهمية بالنسبة إليه، وفي الواقع، يستوعب كل فردٍ، بصيغة توليفية عدد المرجعيات الهوياتية المتصلة بتاريخه، كما أنه يعي، وإن كان في الغالب بصورة غير مباشرة، أن له هوية ذات هندسة متغيرة، تبعاً لأبعاد المجموعة التي يعتبرها مرجعاً له في هذه أو تلك من الهويات العلائقية (دنيس كوش، 2007: 164).