- كتب: رستم عبدالله
مؤسف وموجع جدا ما آل إليه وضع عشرات المكتبات و الأكشاك الثقافية في مدينة تعز، مكتبات وأكشاك عريقة، صنعت طفولتنا وشكلت وعينا وجزءاً كبيراً من ذاكرتنا وذكرياتنا، وأيامنا الحلوة التي لا تنسى ولا تمحى من الذاكرة.
ذاكرتنا الأدبية والثقافية، وهي ما كان باقيا لنا شاهداً على الزمن الجميل، رافقت أجيال وأجيال، صنعت طفولتنا، ورافقتنا شبابا.
كانت تزودنا بوجبة شهية للروح والعقل و الفكر، لا تقل أهمية ولذة عن الطعام..
كانت بدايتي الأولى للتزود بزاد المعرفة والقراءة من تلك الرفوف الشهية، لمكتبات العاصمة صنعاء، ففي صيف العام ١٩٨٨م و خلال العطلة الصيفية، سافرت من القرية إلى صنعاء لقضاء الإجازة، ومساعدة الوالد رحمة الله عليه في عمله، و بدأت مع سلسلة المغامرون الخمسة وكنت أشتري ألغاز الجيب تلك من مكتبة أبو صلاح بشارع الزراعة، ومكتبة الفرات بشارع الزراعة، ومكتبة السنباني بالدائري و دار الهجرة بالدائري، وتلك الأكشاك المتناثرة بقاع اليهود والأكشاك الممتدة على طول شارعي ٢٦ سبتمبر والزبيري ومكتبات الشارع بميدان التحرير طوال ثلاث سنوات من أروع سنين العمر قضيتها في العاصمة صنعاء، وعند انتقال عمل الوالد رحمة الله عليه إلى مدينة تعز أتذكر أنني خرجت صباح اليوم التالي باكرا لتناول طعام الإفطار بحوض الأشراف، خمير ساخن وشاي حليب ببوفية عال العال، ومن ثم للتسكع في شوارع تعز أستطلع وأنقب بحثا عن مكتبات بيع الكتب، وسأسرد بعض من تلك المكتبات التي لا زلت أتذكرها وكم كانت فرحتي عندما أتصفح المجلات الزاهية الجميلة الملونة، وهي معلقة على أبواب تلك المكتبات وبفترينات العرض وفوق الطاولات، وكنت أشتم من غلافاتها الأنيقة رائحة الثقافة والأدب وعطر ذلك الزمان الذي يعبق بالحياة، الجمال، ولازلت أتذكر أول مكتبة أشتريت منها كتاباً أول يوم لوصولي تعز، كان مجلد كليلة ودمنة من مكتبة لم أعد أتذكر اسمها، كانت أسفل جامع الكويت، تحولت في ما بعد إلى بقالة، ومع مرور الأيام تمكنت من حصر المكتبات والأكشاك جيدا وأستطعت أن أثبت أقدامي جيدا وكونت في ذهني قاعدة بيانات عن المكتبات ونوعية الكتب التي توفرها، سأحاول أن أسرد بعض من تلك المكتبات والأكشاك وأماكنها حسب ما تسعفني به الذاكرة وبعض الكتب التي اقتنيتها حينها، ومن هذه المكتبات، مكتبة الوحدة شارع مستشفى الثورة التي كنت أشتري منها عصر كل أربعاء مجلة ماجد للأطفال، ومجلة العربي الصغير وروايات الجيب وللأسف مع الوقت تحولت إلى دكان، و دار الفكر بشارع ٢٦سبتمبر وكيل المكتبة العربية الحديثة بمصر وكنت أشتري منهم سلسلة رجل المستحيل و ملف المستقبل وكوكتيل٢٠٠٠، وباقي سلاسل المكتبة العربية وكان يبيعنا بصعوبة بالغة كونه وكيل يوزع للمكتبات والأكشاك ولا يبيع للأفراد، وكان هذا أيضا ما يحصل لي مع دار الكلمة بالعاصمة صنعاء وكيل مجلة ماجد للأطفال الذي كان لا يبيعنا المجلة ومن المكتبات العريقة مكتبة دار الحياة بشارع جمال والتي كنت أشتري منها مجلات و كتب وروايات عبير وزهور وللأسف تحولت مؤخرا لسوبر ماركت ومكتبة الغزالي بحوض الأشراف كنت أشتري منها بعض الروايات والكتب وأذكر أنني أشتريت منها المجموعة القصصية الظل العاري للغربي عمران والتي أغلقت عدة مرات بسبب عزوف القراء عن الكتب والمجلات كما أخبرنا صاحبها قبل الحرب، و من ثم أغلقت نهائيا بسبب الأوضاع الراهنة ومن المكتبات التي كانت جوار مدرستي التي درست فيها مدرسة الشعب، كانت تبيع الصحف والمجلات وروايات الجيب، المكتبة الحديثة ومكتبة الشعب والتي للأسف تحولت باكرا لمكتبات قرطاسية نظرا للربح الكبير الذي يوفره بيع القرطاسية وكان أكبر تجمع للمكتبات الثقافية في تعز هو الذي يقع بشارع جمال خلف مكتب التربية حيث تتواجد دار أبرار للنشر و مكتبة السلام العريقة ومكتبة الضياء ومكتبة ودار الغرباء الأثرية ومكتبة الرسالة ومكتبة الخلفاء وأغلبها تبيع الكتب الدينية والتاريخية والإدارية، باستثناء دار أبرار للنشر ومقابل مكتب التربية بالقرب من تجمع المكتبات هذا تقع مكتبة العلمين وتحولت للقرطاسية ومكتبة الجيل الجديد وتبيع الكتب والقرطاسية، وفي منطقة الكمب عديد من المكتبات كمكتبة شباب الجامعة واليافعي المكتبة الرائدة، والدميني وريدان التي أقتنيت منها صحف ومجلات كمجلات النهضة واليقضة والمجالس والكواكب والعربي والكويت والشبكة والفن وروز اليوسف وصباح الخير والفيصل، وكانت تبيع الدوريات وتحولت للأسف مع مرور الزمن لبيع القرطاسية وفي منطقة عصيفرة كانت مكتبة برج باريس والتي تبيع روايات وكتب قديمة وفي جولة القصر في تعز كانت مكتبة المستقبل تبيع كافة كتب الجيب وروائع الأدب العالمي، وروايات نادرة جدا، بل كان صاحبها عيسى المشرقي حفظه الله شاب مثقف ومجتهد عندما أطلب كتاب ورواية غير متوفرة لديه، فإنه يجتهد في البحث عنها وأعود بعد فترة قصيرة وقد وفرها لي وبسعر رمزي، وبشارع ٢٦ مكتبة الوعي الثوري وأبو سامي للصحف والمجلات وقد تحولت أبو سامي باكرا للقرطاسية، في حين لا زالت الوعي الثوري للآن تبيع القرطاسية وإلى جانبها الصحف والمجلات وبعض الكتب وتختص بطباعة المعلم المثالي لطلاب المدارس، وفي منتهى شارع ٢٦ تقع دار الفكر ومكتبة أخرى بجوارها، لصاحبها المعمري، وأتذكر مكتبة عريقة بسوق الصميل كانت تبيع كافة الكتب والصحف، اندثرت وتحولت لمحل لبيع ألعاب الأطفال، ومن المكتبات النوعية التي كانت توفر كتب ثقافية وأدبية باللغة الإنجليزية مكتبة تاج سبأ، جوار الغرفة التجارية وكانت تتوفر لديهم هناك سلسلة جميلة، كتب وروايات عربي إنجليزي دار بحار، وبسبب الوضع أغلقت ومكتبة النجاح بشارع المغتربين تختص بالكتب القانونية وكتب الفكر ومكتبة كبيرة وعريقة قرب الاجينات تحت الجسر لم أعد أتذكر أسمها.. وهناك مكتبات كانت متناثرة هنا وهناك في تعز مكتبات كالزهراء والكمالي والحمزة و الصديق والأمين ودبي والرافد والفاتح وأبو حامد وعدن، تحولت مع الوقت لمكتبات قرطاسية ومحلات بيع إكسسوارات ومستلزمات الموبايلات..
أختم بعجالة عن أكشاك بيع الصحف والمجلات والروايات وكان ما أحرص على شرائه باستمرار منها مجلة العربي ومجلة الكويت والأسرة وصحيفة المحرر الباريسية والثقافية والمثقف الصغير والمستقله، وفي رمضان كنت أتتبع الصحف التي تنشر المسابقات الثقافية كصحيفة الناس والطريق والمستقلة والثقافية والجمهورية والثورة والوحدة و ١٤ أكتوبر و الصحوة.
ومن هذه الأكشاك كشك الوحدة وكشك المعلم جوار التربية وكشك المركزي١ وكشك المركزي٢ لمحمد شرف وكشك المعرفة باب موسى وكشك مراد جوار سينما سبأ وكشك الروضة بالروضة وكشك النصر بالتحرير وكشك البداية وكشك الثورة وكشك بالاجينات وكشك السبعين بفرزة صنعاء لصاحبه عوض البرطي الذي كان يوفر كافة أنواع الرويات والصحف وللاسف تحول لاحقا لكشك للامانات وكشك المواصلات جوار البريد وكشك بلقيس بحوض الأشراف للصديق الذي لا زال يتواصل معي للآن أسامة غالب وجميعها اندثرت بفعل الوضع الراهن وتحول القليل منها للقرطاسية..
هذا غيض من فيض زهناك مكتبات لم أعد اتذكرها وأماكن بعيدة تتوافر بها مكتبات وأكشاك كثيرة بالضواحي والشوارع القصية، لم أكن أذهب إليها وأكتفي بمحيطي الجغرافي والذي كان كبيرا أيضا..
هذه أشجان وبقايا ذكريات إنسان آلمه صمت الحكايات وموت المكتبات وهجرة الكتب وتصحر تلك الحدائق الغناء الجميلة التي كنا نتفسح فيها ونشتري المجلات والصحف والكتب، التي كانت تصلنا من آخر الدنيا بألوان براقة جذابة و نشتم عبيرها ورائحتها الزكية التي كانت تفوح من أغلفتها حتى وهي محبوسة وراء القرطاس الذي كان يغلف تلك المجلات، لمنع القراء من التصفح ولتغريه وتجذبه بجمالها الفتان والأخاذ وعناوينها المشوقة وينصاع للشراء وكانت تصل إلينا باسعار مناسبة، تختلج النفس وتعصف بي الأشواق وتزدحم المآقي بالدموع، و أنا أتذكر تلك الأيام الهادئة والهانئة، والذكريات الجميلة، رغم ما كان بها من صعوبة الحصول على المال الكافي لشراء الكتب، لكنها كانت أيام خير وبركة وراحة و سعة قراءة واطلاع، ونفوس طيبة، وقلوب دافئة، كنا نتبادل القصص والكتب والروايات بيينا في محبة وطيب خاطر وكانت مليئة بالبراءة والسعادة، نسأل الله أن يعيدها ويعيد ذلك الأمان والوئام.