- كتب: طه العزعزي
من بين أوراق كثيرة من كُتب الأدباء والمثقفين اليمنيين التي صدرت خلال فترة الحرب، نستطيع القول حين المطالعة والقراءة الفاحصة، أنهُ ليس من كاتب يمني تملكتهُ الجرأة ليعري عبر عديد من مقالاته الحياة السياسية بذاكرتها وشخوصها مثلما هو الكاتب محمد ناجي أحمد، والقول هنا مأخوذ بحججه، فكتب ” ناجي ” بالنسبة لسائد المطبوعات اليمنية المنجزة تظل متقدمة لما تحويه من مكاشفات صارمة وقراءات قائمة على الكشف والتشكيك، فهو كاتب غير تقليدي وله حدوساته وتوقعاته الخاصة، ثم أن لديه أفكاره ورؤاه العامة التي يشترك فيها مع آخرين .
لم تكن لتصعب عليه مهمة مواكبة السير الأدبي والسياسي وموافاة الجميع عبر مواكبة المنجز الإبداعي بالنقد الذي يقدمه بدراية ووضوح وعلى نحو لاذع،غير أنَّ جُبن الأعداء وتلقفهم لسيل منشوراته ومقالاته شبه اليومية في الآونة الأخيرة، والتي ظهرت بشكلها الرافض واللامهادن، جعلتهم يخلصون إلى وضع حادثة إغتيال تنهي حياته .
خاض محمد ناجي أحمد في حياته الكثيرُ من المعارك النقدية في المجالين السياسي والأدبي، خصوصًا في سنوات الحرب اليمنية التي بدأت منذُ 2014 وحتى وفاته في حادثة إغتيال مؤلمة عام 2022 م في منطقة الحوبان.
في كتابه ” المثال والواقع ” الصادر عن دار الفكر الجديد 1989 للكاتب والمفكر العربي المعهود ” فيصل دراج ” الذي عرج فيه عن جزء الكتابات والوجوه النقدية المنهجية التي تستخلص مواضيعها من الواقع، كتبَ ضمن ماتناوله عن موضوع هام بعد تعرضه لكتابات عدد من المفكرين العرب هذه الجملة المعرفية”الموقف من المنهج هو الموقف من الأدب، والموقف من الأدب هو الموقف من الواقع ” ص 66.
يكاد محمد ناجي واحدًا من هؤلاء الكتاب العرب الذين
أخذوا بمنهج الواقعية شأن القلة تعرضوا في كتبهم للتحولات والمشاكل التاريخية في مهادها، فقد كان فاعلاً ومنفعلاً أحيانًا ومؤثرًا ومتأثرًا في أحايين أخرى، ماسكًا بصرامته المعهودة وبالشرح الآني غير مُغفلاً العرض ومسرح الأحداث، آتٍ على المشكلة من عين الراصد مُقدمًا شهادتهُ ونفسهُِ كشاهد، وهو إلى جانب ذلك، في أكثر نصوصه النقدية، لم يكن يغفل عن امتدادات واقع أحداث الأمس وتحولاتها الزمنية وصولاً إلى الراهن.
إنَّ الواقع والوعي التاريخي والوعي الجماهيري، جميع هذه البنيات الثلاث مرتبطي النسق، غير أنَّ القلة من الكتاب هم من لديهم القدرة على تبني مشروع ناهض ومدرسة فكرية نقدية تتموضع سياقتها في واقع اليوم منطلقة من منصة لنسميها هنا ” الوعي التاريخي ” ومع ذلك، وهي مشروع فكري ناهض قائم برهان رجالات الفكر والثقافة، فإن الهدف لا شك -وإن ليس من هدف آخر – سيكون مصوبًا تجاه الجماهير ووعيها، الأرض التي تخصب فيها الأفكار وتنمو، وإلا أين ؟.
تعاركَ ناجي كثيرًا مع أفكاره، وهو في سيرته، خلال 55 سنة عاشها، أثبت كما تُبين مؤلفاته، أنَّ هذا التعارك مع أمهات الأفكار كان في كل مرحلة وأخرى يستوضح نفسه بنفسهِ، خصوصًا في السنوات الأخيرة من عمره، من يريد معرفة ذلك لابد عليه أن يطالع نتاج أفكاره متأملاً ومناقشًا ومسائلاً الكاتب في كتبه الأربعة التي أصدرها في العام 2021 .
مرَّ الكاتب والناقد اليمني محمد ناجي بثلاث مراحل نقدية تواقتت مع تمرحلات تاريخ البلاد وتقادمه هو في العُمر، وقد واكب فيها الناقد محمد ناجي أحمد في المرحلة الأولى نتاجات المبدعين من مجياليه وسابقيه من الأدباء اليمنيين. إستمرت هذه الفترة منذُ أصدر فيها ناجي كتابه الأول ” نقد الفكر الأبوي ” 2003، إلى كتابة ” تحرير التحيزات ” 2008 ، ووصلاً إلى إصدار كتابيه ” الهوايات الطاردة ” 2010 وكتاب ” المذكرات السياسية ” 2012.
تلتها مرحلة نقدية ثورية ومواجهات عديدة خاضها الكاتب، وقد أصدر خلالها كتاب ” مدارات نقدية وتناولات في السرد ” 2016 وكتاب ” الذاكرة في مواجهة النسيان ” 2018، وكتاب” جدل الواقع وصدى الأمكنة ” 2020.
ثم.. مرحلة المكاشفة التي تكاد تتضمنها مؤلفاته الأربعة التي أصدرها في عام 2021 وكأنه كان يستشعرُ قرب موته، هذه الكتب ” هذا أنا .. بعض بوح ومواقف ووجع ” وكتاب ” في نقد التطبيع والأسرلة ” وكتاب ” الأحزاب والقوى السياسية في اليمن ” وكتاب ” السرد في اليمن، من سلطة المجاز إلى غواية التفاصيل “.
محمد ناجي أحمد النبهاني من مواليد 1967 م
حصل على شهادة البكالريوس في التربية قسم لغة عربية من جامعة تعز عام 1995
8 يناير 2022 م عن عمر لم يتجاوز 55
ونرفق إليكم هنا جزء مما جاء في مؤلف محمد ناجي أحمد، المؤلف القيم “هذا أنا .. بعض بوح ومواقف ووجع”، الذي تحدث فيه موجز من سيرته الذاتية ” دراستي بدأت بالمعلامة حين كان عمري خمس سنوات . كان الفقيه إنسان ودود وعثير قرأت عندها المصحف والكتابة على اللوح . كنا نمحي ما نكتبه بالقطاط ونعود لكتابة آيات أخرى … لا شك أن شخصية الفقيه كانت محببة للتعليم في الكتاب . وفي السنة التالية التحقت بالدراسة في الصف الأول الابتدائي بمدرسة ناصر الابتدائية والكائنة في شارع ٢٦ سبتمبر كان ذلك عام 1973 وفي تلك السنة كانت المظاهرات في آخر عهد الرئيس القاضي عبد الرحمن الارياني تترك أثرها في ذهني كطفل كذلك كان للوهج الشعبي تجاريا وزراعيا وتعاونيا والأنشطة المدرسية في عهد الرئيس الحمدي من مسرح وحركة كشفية ورياضية وتعليمية أثرها في طفولتي … في عام 1978 بعد فشل حركة 15 اكتوبر الناصرية أتذكر المداهمات للمنازل بحثا عن الناصريين من أقاربي ، يومها الوالد أحرق مكتبة كبيرة كانت تحتوي على كل المعارف السياسية والأدبية والتاريخية واحرقها في ( المافي ) التنور حقنا وحق الجيران كانت المكتبة أكثر من عشر جواني كتب وأشرطة كاسيت تحتوي على نجوم الغناء العربي … استطعت أخذ شنطة ملابس كانت مليئة بالكتب وإخفائها في حود كهف صغير في الجبل دون معرفة والدي ومن تلك الكتب بدأت مسيرتي مع القراءة منذ عام ١٩٧٩ يومها كنت في الصف الخامس الابتدائي لأن الوالد جعلني أعيد دراسة الصف الأول ابتدائي سنتين …. في الصف الاول الاعدادي والثاني الاعدادي منذ عام 1981 الی ۱۹۸۳ درست في مدرسة الشعب وكان لمجسم القمر الصناعي فيها تأثيره البصري حول اهمية الاتحاد السوفيتي حينها … أعود لشنطة الكتب التي قرأتها فقد شملت كتب لسيد قطب العدالة الاسلامية وكتب للينين ما العمل وخطوة للأمام خطوة للخلف وكتب لعبد الله الريماوي عن الحركة القومية ولنديم البيطار عن الانقلاب الثور وكتب لمحمد مندور في النقد الأدبي وكتب في تاريخ الفلسفة وكتب لميشيل عفلق ونظرية الثورة العربية لعصمت سيف الدولة الخ كانت كتب متنوعة في الايديولوجيات والأدب والتاريخ والفن … على ذلك الأساس ظللت اتزود منه وفي المرحلة الإعدادية والثانوية كنت أعمل في الاجازة الصيفية وأشتري كتبا وأتابع قراءة الصحف والمجلات والأفلام السينمائية “