- أحمد الزكري
عام 1989 أرسلت وزارة التربية والتعليم الأستاذ خالد احمد محمد ظافر لإضافته الى قوة مدرسة الشهيد عبدالرحمن الغافقي في الأصابح في مديرية الشمايتيين، محافظة تعز، معلما لمادة الكيمياء، اثر تخرجه من كلية التربية في جامعة صنعاء، فكان المعلم الذي غدا صديقا لطلابه محدثا تأثيرا عظيما في تحصيلهم وتطلعاتهم العلمية، ومحتفظا بمكانة اكثر متانة في عقولهم ونفوسهم.
لم يكن ذلك الأسلوب الحديث في التعليم نتيجة مقتصرة على المواد التربوية اليسيرة التي اجتازها في دراسته الجامعية، لكنه انعكاس لقراءة مستمرة ومكثفة ماتزال ترافقه منذ سنوات في مجالات تربوية وفلسفية وعلمية وأدبية، وهي قراءة استحق معها أن يطلق عليه تلامذته الأستاذ الموسوعة.
تلك المعلومات الغزيرة والأسلوب الجاذب في نقلها للمتلقي لم تقتصر على أداء الأستاذ خالد ظافر في الفصل الدراسي ولكنها ميزة يعرف بها في كل حديث يشارك فيه عن موضوع عام، يقدم فيه معلومة ونصيحة وأسلوب حياة خلاصة لمعرفة اكتسبها خلال سنوات من مكتبة ذاتية غنية، زادها ثراءا انتماؤه السياسي للحزب الاشتراكي اليمني قبل سنوات من تخرجه من الجامعة، حين كان الانتماء الحزبي يصقل شخصية المنتمي ويدفعه بقوة نحو التميز والثراء الفكري والسياسي، خلافا للتراجع الذي تشهده الحياة اليوم بكل مظاهرها، بالأخص في أداء الأحزاب السياسية.
تلك المعرفة التي اكتسبها الأستاذ خالد ظافر أدت الى اختياره سكرتيرا لدائرة الثقافة والإعلام في منظمة الحزب الاشتراكي في مديرية الشمايتين، تلا ذلك اختياره لإدارة الحملة الانتخابية لمرشح الحزب في الدائرة 61 في مديرية الشمايتين في الانتخابات البرلمانية الأولى عام 1993 بعد تحقيق الوحدة اليمنية الاندماجية، عام 1990م، وهي الدائرة التي أخذت الرقم 62 لدى إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في مرحلة لاحقة، وتتضمن مساحة جغرافية واسعة تمتد من عزلة الزكيرة والقريشة إلى المساحين والمقارمة والزعازع والكويرة والبذيجة وبني شيبة وبني عمر.
لم يدر الحملة الانتخابية باعتباره مجرد متطوعٍ حزبي مهمته تنفيذ التوجيهات بقدر مابدا مسؤولا مقتدرا استثمر معرفته الكثيفة في التخطيط بأسلوب علمي لمعرفة اتجاهات الناخبين وتوزيعهم الجغرافي والسياسي، ومستوياتهم التعليمية والاقتصادية وبالتالي بناء أساسيات الحملة واتخاذ القرار وفقا لتلك المعطيات، والأكثر من هذا هو تقديم تحليلات واقعية دقيقة لمتخذي القرار في المستويات القيادية العليا بشأن العديد من القضايا، وتلك سمة ميزت العديد من الحزبيين المتمرسين في تلك الفترة، التي ظهر لاحقا أن أحدا في تلك القيادة لم يكن يهتم بما يجري في العمق، ففي حين فاز مرشح الحزب في الدائرة الانتخابية (الشاعر الدكتور سلطان الصريمي) بأغلبية كبيرة، لم يكن الفوز حليفا لأداء الحزب على مستوى اليمن حيث أوقع نفسه فريسة بين مخالب نظام علي عبدالله صالح والقوى المتحالفة معه في حرب صيف 1994م، وهي حرب ماتزال اليمن تدفع ثمنها حتى اليوم، تماما كما حذر من ذلك الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني الشهيد جارالله عمر في رؤية قدمها لحزبه بعد توقيع وثيقة العهد والاتفاق التي مثلت الأساس الأول لإنقاذ الوحدة ودولة اليمن الحلم، فقد تضمنت رؤية جارالله عمر القول إنه إذا لم يتمكن الحزب من إدارة الأزمة بعد توقيع الوثيقة بمهارة إدارتها قبلها فإن الحزب لن يكون الخاسر الوحيد ولكن اليمن كلها ستخسر لعقود قادمة، وقد بدا أن رؤية الشهيد جارالله عمر لم تلق التفاتا إليها إلا بعد فقدان اليمن مع فقدانه الكبير.
ربما دفع هذا التراجع في النظام التعليمي وفي الأداء السياسي الأستاذ خالد ظافر لإعادة النظر في أمور كثيرة منها تنفيذ محاكمة خاصة به للعملية السياسية وللنظام التعليمي من خلال ترك الوظيفة الحكومية بحثا عن عمل خاص يبدأ معه مرحلة من النضال الذاتي لتوفير حياة مثلى له ولأسرته، قبل التمازج كليا في النضال العام الذي لم يتخل عنه بصورة نهائية، ولم يفقد الأمل في أن يكون الحال أفضل في المستقبل.
تلك المحاكمة الذاتية لنظام تعليمي وسياسي لايقدمان للمعلم مايستحقه لبناء إنسان حقيقي قادر على تغيير مجتمعه إلى الأفضل.. كانت نتيجتها فقدان الأستاذ خالد ظافر وظيفته الحكومية، وخسارة التعليم معلما ومعلمين آخرين تمكن النظام الكارثي بعد حرب 1994 من فصلهم عن رسالتهم حتى وصل بنا إلى هذه الحرب الكارثية الممتدة حتى اللحظة ثماني سنوات عجاف.