- عدنان جمن
تعودت أن ألقى ياسين غالب بالصدفة دائما دونما سابق تخطيط، و كانت بحق من أجمل الصدف في حياتي، و كلما لاحت إحدى تلك الصدف أجده دوما برفقة زوجته و أولاده بسيارته السوزوكي العتيقة، أما يشرب الشاي معها من إحدى مقاهي صنعاء أو يترجل لنتبادل الحديث و النكات و (الحشوش) .. تتخلل ذلك ضحكته المقهقهة التي لم تكن تفارق شخصيته و حضوره الطاغي الذي يسلب العقل و الروح.
عرفته ذات يوم مطلع التسعينات عندما كان يقدم نفسه كفنان متميز في الصالة الأولى للفنون التشكيلية التي كانت تعود للفنان التشكيلي الراحل فؤاد الفتيح الذي أسس جماعة الفن الحديث و كنت بمعية كوكبة من ألمع التشكيليين نغرد خارج سرب وزارة الثقافة و نصبوا إلى تأسيس كيان مستقل قوي و يستشرف آفاقا واعدة.
قمت يومها بتكليف من صديقي الفتيح بتصميم كتالوج للمعرض الأول لجماعة الفن الحديث و رسمت بورتريه لكل الرسامين المشاركين بالحبر الأسود، و أسعدني للغاية أن ياسينا مازال يضعها في صدر صفحته بالفيسبوك بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما!
علمت في الآونة الأخيرة أنه شد الرحال إلى القاهرة ليستقر فيها و الواقع أن ذلك أصابني بالدهشة لأنني أعلم تماما مدى تعلق ياسين بوطنه و بصنعاء القديمة خصوصا و التي كانت بالنسبة له غراما و عشقا ملك عليه قلبه و حواسه، عندما كان يعمل كمهندس في إدارة الحفاظ على التراث المعماري بحب الفنان العاشق، تفانى ياسين بكل صدق و اجتهاد في ذلك العمل النبيل و افنى سني عمره و هو يضع صنعاء القديمة في رأس اهتماماته!
تخنقني العبرات و أنا أسطر هذه المرثية المؤلمة التي لم أتوقع إطلاقا أن أكتبها بعد رحيل هذا الإنسان الجميل الذي كان يحمل بين ضلوعه قلب طفل و روح فنان!
إذا هي النهاية يا صديقي. . لن أراك بعد اليوم في شوارع صنعاء بالصدفة، و لن نمارس نميمتنا و سخريتنا من واقعنا الموجع و نمارس التحليق بأحلامنا المؤجلة الكثيرة و المستحيلة في بلد يقهر مبدعيه و يعلي من قدر حثالة البشر على حساب الانقياء و الشرفاء. . يبدو أن لا مكان لنا في هذه الأرض و لا مكان لقلوبنا المجروحة المكلومة.. لا مكان لنا !
أرجو من الله ان يلهم زوجتك و أبنائك الصبر و السلوان و أن يلطف بهم بعد رحيلك الموجع و القاسي.
كلنا راحلون يا صديقي العزيز. . هي فقط مسألة وقت ليس إلا!