- عبدالقادر صبري
إلى الدكتور عبدالعزيز المقالح الذي علمنا أبجدية الروح
الجبلُ
غيمةُ حزنٍ
مجهولٌ هو الحزنُ
معلومٌ هذا الولهان
باتَ منذُ الحزنِ يُدعى:
غيمان.
من الغيم.. تكتسي قصائدهُ
لونَ شحوبها
من الحزن ترتوي أغنياتُه
كلّ صباح
غيمانُ، الجبلُ المسكونُ المفتونُ
بالحزنِ وبالأصدقاء
يعشقُ حزنه كما يَعشق الأصدقاء
يوزِّع الأصدقاءَ على الحزن بالتساوي
يعدُّهم كل ليلة همّاً همّاً
يرتادُ جميعَ أغانيهِم
ويشيِّعُ كلَّ الرُّحَّل
ممزوجينَ بقطراتِ العسل
يتناولهم كل مساء
يعتصر هـمّهم قطرةً قطرةً
حتى تسري في صوتِهِ المتعبِ
- كلها – آهاتهم
وعندَ الصباحِ
يُطلِقُهم صوبَ الأمنيات
كالفراشاتِ هُمْ
يعشقونَ نورَ توهُّجهِ
يغتسلونَ بكلماتِهِ ملءَ هُمومهم
كلَّما أوغلوا فيه.. توهَّجوا
غيمان!
قلبُكَ السّاطعُ ما أدفأهُ!
برقٌ لا يُحرقُ العشاق
هو الظمآن دوماً لرحيق امرأةٍ عشقها
منذ الأزل.
شُوهد مرَّةً معلقاً بأهدابها
يغزلُ من الهدبِ بعضَ الذكريات.
هو الحبُّ متشحاً بالغمام
إذا رأيته يعدو قربك فجراً ملء هُيامهِ
لا تكلِّمْهُ
فقد سكنته الكلمات
هو الطفولةُ مبلولةً بالأمل
إذا رأيتَهُ وفي يده كيسٌ من الحلوى
وقطع السكر، لا تسله لمن؟
هي لكلِّ أطفالِ الطرقات
غيمان بـ”آزال” هيمانَ مايزال
لا تجرب يوماً إغواءهُ
لن يغادرها
فهو مربوطٌ إلى سُرَّتها بحبل قصيدة.
جرَّبَ مرّةً هجرانها
فغرست في رئتَيهِ جذورَ كرومِها
وأطلقَت في شعره جموعَ الجنيات
مرةً، قال له طائر يقاسمه الحزن وحبَّها:
غيمان!
يا بوحَ المنهكينَ
وهـمسَ العاشقات
تعال إلى أجنحتي
أهيمُ بك في وجه الحبيبة من مَلكوتْ
وعندما أطلَّ من ملكوتْ
أبحر فيه الغيمُ
فوجد أسراباً من الكلمات
تبشَّر بأمانيه الشاحباتْ
أشعلَ للجسدِ أغنيةً
وللروحِ أوقدَ آلاف الجمراتْ
هيمانٌ هذا الـ”غيمان” الذي يعرف كل اتجاهات الروح
كما يعرفُ الفلاحون اتجاهات الريح
في مواسمِ المطر
ها هو ذا يُمطرُ في حقول أصدقائه
ينصبُ الأعيادَ في “مقايلهم”
قبلةً قبلة
والقبلات، عيداً عيداً.
ذاتَ مقيلٍ
غفا غيمان غفوةً
بعد أن زرع في أكُفِّ عشاق محبوبته
غصونَ “قات”
فجأة!
أفاقَ غيمانُ
وانكبَّ على كلِّ الكتب
يُفتشها على عجلٍ
وعندما انتهى
سألناه: ماذا؟
أجاب مطمئناً: اسمها.. اسمها
مايزال محفوراً في كل الصفحات
غيمانُ،
ذلك الولهانُ العطشانُ إلى حبِّها دوماً
ماتزالُ كرومُها
ترتوي من طَلِّ أصابعه
وبين ارتعاشتِها
تحتمي من النسيانِ..
صنعاء.