- حسن عبدالوارث
هل هو قدر هذا الشعب وهذا البلد أن يحيا متنقلاً من مأساة الى مأساة ومن
معاناة الى معاناة ومن مذبحة الى مذبحة ومن كارثة الى كارثة ؟
هل قدره أن لا يرى عيداً ولا بهجة حقيقية كسائر شعوب المعمورة من عرب وعجم ومسلمين ونصارى وبيض وملونين ومشارقة ومغاربة ؟
وكلما ظنّ أن يوم فرجه قريب أو أن دهر البؤس قاب قوسين من الزوال ، أنبرى
له شياطين الانس والجن ممن يتحكمون في مصائره ، فاذا بفصل جديد من الدماء
والدموع والدمار يتم تدشينه مجدداً في يومياته السوداء .
وقد شاء الله
أن يكون هؤلاء المتحكمون على الدوام من صنف البشر عديمي الرجاحة في العقل
والرقي في الأخلاق والكفاءة في الادارة والسياسة ، عدا اكتظاظهم بأمراض
نفسية وذهانية ، أقلها عقدة النقص وأوسطها الشيزوفرينيا أما أقصاها فلم
يهتد ِ العلم بعد الى أسماء لها وصفات .
ولطالما كانت مأساة اليمن في
العصر الحديث متجسدة في آفة الجهل الذي يحمله هؤلاء على كواهلهم صليباً من
حقد على كل ما هو مدني وعصري وجميل في حياة اليمنيين .
وقد كان هؤلاء
في ما مضى يتجرجرون من رؤوس الجبال وبطون الصحارى الى ضفاف مدينة عدن –
مثالاً – لينهل الطالب من مدارسها وكليات جامعتها ويلقى العامل والموظف
فرصة العمل والحياة الكريمة وتلقى الأسرة المأوى الصحي والخدمات المدينية
المتطورة ، فتفتحت قبالة مجاهل عمرهم المنصرم منافذ مستقبل مبشر بالسعادة
والرقي والرخاء والنجاح بكل ألوانه .
غير أنهم بعد أن قضوا منها وطراً ، عادوا فتناوبوا على اغتصابها ، ثم راحوا يعرضونها على الأعراب والأغراب في سوق النخاسة أويستدعونهم الى مخدعها ، ولم تكتمل نشوتهم الزرقاء الاَّ
بلفِّها في لحاف قذر وحملها على هودج منصوب على سنام ناقة عجفاء يسحبها عبد آبق الى باطن صحراء حارقة .
فالبرابرة الجبابرة الذين تدلُّوا من
سُرَّة الجحيم ذات ليل مدلهم الى مخدع الأميرة الحسناء ، خلعوا بربريتهم في مخدعها لا خارجه . ولهذا ظلت النتانة تعبق في المكان والزمان وفي سائر
التفاصيل . وهو بعض ما أشار اليه عبدالرحمن ابن خلدون قبل أن يطلقوا عليه
النار لأنه عرَّى عوراتهم عبر تاريخ ثقيل كليل .
ان ما تعانيه عدن اليوم ليس سوى حالة ولادة مشوهة نتجت عن لقاح نتن بين شجرة طيبة وريح سموم !