- كتب: ضياف البراق
يثيرني ويُدهشني ما يَخطّه قلم هذا الكاتب اليمني النبيل، هذا المُبدِع الخلَّاق، الأربعيني العمر. في نصوصه الإبداعية، جمال وصفاء، بهاء وإتقان، أفكار منيرة، ومعلومات مثيرة، وأسلوب شائق ماتع. هو الكاتب المعاكس للتيار، الثائر على التقاليد السلفية، المغامر بذكاء مُتوقِّد، كاره المديح، والذي لا يسعى لتلميع جانبه الشخصي أبدًا. تنويري القصد، حيويُّ التدفُّق، هدفه أعظم، وطريقه أوضح. يدري ما يريد، ويعرف نفسه، ويكتب ما يعرف. لا تجد في نهجهِ بهرجة، ولا ادّعاءات، ولا انتفاخات نرجسية.
قرأتُ له عملين أدبيين رائعين جدًّا الأول “لا يفتحون التوابيت” والثاني “خطوات في النهر نفسه” فلم أشعر إلّا بالجمال والدهشة والاستنارة. إنه بحق كاتب مدهش ومُضيء في آن. فما إن تقرأ له حتى تعتريك الدهشة، وتغمرك المتعة، ولا تحس بالملل أو التعب أو الإحباط. كما قرأتُ له عدة مقالات مختلفة الموضوعات، واستمتعتُ كثيرًا أثناء قراءتها، ثم إنني أقرأ باستمرار ما ينشره على حائطه الفيسبوكي، ولكن ما يحزنني هو أنني لم أحظَ حتى الآن بفرصة تجمعني به وجهًا لوجه في الواقع، إلّا أنه صديق عزيز لي رغم البُعد المكاني الحائل دون لقائنا. ومن فضل الفيسبوك على شخصي البسيط أنه عرّفني على هذا الإنسان الأصيل.
هذا واحد من أدبائنا الأفذاذ، ويتفوق على كثير من زملائه بميزة أخرى، هامّة للغاية؛ وهي أنه مترجم بارع، وقد ترجم عددًا من الأعمال الأدبية الأجنبية إلى العربية. وها هو لا يزال يبدع، ويترجم، ويزداد نُموًّا، وسطوعًا، وبجهوده الذاتية فقط. يكتب كما يفكر، بحرية وجرأة وتفرُّد، ولا يكترث بالخطوط الحمراء، ولا يُقلِّد أحدًا. بعبارة بسيطة أقول: إنه كاتب ليس من الطراز العادي، بل من النوع الفريد.
هو الفنّان الموهوب، الممتلئ ثقافةً وإنسانيةً، الصريح الشفّاف، الخفّاق الدفّاق، المتألق في تمرُّداته الغنية بالقيم الجيّدة. ويكتب في كل شيء، أو في عديد اتجاهات، ويبرع في كل ذلك. لا تغريه فتنة الشهرة، ولا تُلهيهِ شهوةُ الزّيْف والغرور عن غايته الأسمى. لا يتأطّر، ولا ينحبس في أقفاص. للجمال يعيش، وبدافع العشق يُحلِّق، وإلى الأعماق الجديدة ينظر، ويتطلّع، وإلى الآفاق الرحبة يسافر. حفّارٌ ماهر في سبيل الوصول إلى الحقيقة، لديه شغف هائل بعمله الثقافي، ومجنون عشقًا بعالم السينما. لا يفوته أي جديد مما ينتجه الفن السابع. إنه لذلك المثقفُ الذي ينزع نزعة كونية نبيلة، المُتمَتِّع بقدر كبير من الوعي النوعي، ذو الكفاءات الرائعة والسمات الفذّة.
ينطلق من عالمه الخاص، يبتكر أفكاره وآرءه المتنوعة، بروح غير مُقيَّدة بالخوف، ولا يشوبها التعصُّب، وينثرها بصياغة مُتقَنة، ويستطيع أن يدهشك بمنتهى البساطة وبلا أدنى تكلُّف. ويعمل دائمًا على تطوير ذاته، ويحاول أن يتجدّدَ أكثر، ويسموَ أكثر، ويُغامِرَ أكثر، ولا شك أنه ينجح في هذا.
جمهوره ليس كبيرًا، بل إنه مغمور لدرجة تحزنني جدًّا، أمّا هو فلا يشغل نفسه بهذا الأمر التافه. إنه مخالف للمألوف، مبتكر للجديد، وصادم للجمهور، ولهذا السبب لا تنتشر كتاباته، ولا يتردد اسمه على الألسنة في المنتديات والشاشات. لكن هذا ليس دليلًا إلّا على أنه كاتب حقيقي، مُتميِّز، وعِصاميّ حقًّا.
فهذا زمن الصراخ الغوغائي المزعج، الصدارة فيه للتافهين ذوي المحتوى الرديء، والشهرة للتفاهات. وصاحبنا هذا يُحلّق خارج هذا السرب، بعيدًا عن لُهاثِ الحشود، ناجيًا بفرادته من التصفيقِ الكاذب، وجميع أشكال التشوُّه. ولأنه متحرر بلا قيود، تَراهُ يناضل على نحو مستمر، بقلمه وفكره وروحه، لتغيير هذا الواقع العربي المتردي من كل الاتجاهات، ومعالجة جوانبه المريضة. وكتابات الحمّادي تنبع من صميم موهبة كبيرة وناضجة، وتجري مثلما يجري النور في الروح، وتنهل من ينابيع شتّى حُرّة صافية، أو تصبُّ فيها.
هو الآن في قمة عطائه، ويقيم خارج البلد بسبب هذه الحرب القذرة. بالطبع لستُ أمدحه، ولا أحسبه يقبل مني أي نوع من التلميع، وإنما أكتب عنه الآن، ولأول مرة، لمجرد أنه جدير بأن يُعرَف، ولكونه من مستحقي التقدير، والعناية. إنّي أراهن عليه، وآمُل أن يحقق المزيد من العلو في عالم الإبداع والتأليف والترجمة. لن يتلاشى بمرور الزمن، ولن يتهافت على الأضواء الرخيصة، فالمستقبَل سيعرف قيمته، ويُقدِّرها أيما تقدير، ويمنحه التكريمَ المُستحَق، وإن كان هو شخصيًا لا يسعى لهذا. كل ذلك هو الحَمّادي، وإنّي لفخور به دائمًا حتى الأبد.