ورقة نقاش
- طارق السكري
الأدب ماهو الأدب ؟
سؤال تعددت فيه الإجابات حتى صار من الصعب أن تعثر على تعريف شامل وشافي متفق عليه بين الأدباء والباحثين ، خاصة بعد أن دخل إلى الميدان علم النفس الأدبي ولذلك انصرف بعضهم عن التعريف الاصطلاحي إلى الحديث حول أثر الأدب ! الانطباع الذي تتركه فيك المنشأة الأدبية ! فالأدب نحو هذا المفهوم هو ما ترك في أعماقنا هاجسا قويا .. يجعلنا نحلم به .. نفكر به بشكل دائم .. نناقشه في مجالسنا … الخ حسب لكن لنتفق على أن الأدب هو ذلك السجل الذي يحوي بين طياته كتابات صيغت بطريقة فنية جمالية بلغة مخصوصة تناولت تجارب الإنسان المتنوعة وعبرت عن كل مواقف الحياة التي مر بها وجدان الأديب.
الحرب :
صورة من صور الدمار ، وحالة من حالات الفوضى والعبث والجنون لحظة غياب المنطق والعقل والحكمة ، تلك التي تعمد إلى القهر والاستعلاء والبطش .
الحرب هي القتال وما ينجم عن ذلك من فساد الأخلاق وهلاك الحرث والنسل وتشرد الناس وغصب الممتلكات .. إنها تاريخ طويل من التسلط والبغي ، لم تسلم أمة على وجه الأرض من لعناتها وويلاتها .
ومن هنا أحدثت هذه الهزة المرعبة انتباها في الشعور وهلعا في الإحساس فأخذ اللاوعي في العقل يجسد هذه الانفعالات والخواطر في صور شعرية ، ومن ثم ألقى على كاهل اللغة أصوات أعماقه المزلزلة ، وحمّل على أجنحة الخيال الأدبي آماله وأحلامه .. ومن هنا حفل تاريخ الأمم والشعوب بالكثير من الأغاني والأمثال والحكم والأشعار المعبرة عن ما عاناه الإنسان من ويلات السياسات الفاشلة وما تمحضت عنها من حروب شقية .
من هنا نشأ أدب الحرب .. ذلك الأدب الذي يعبر عن حالة خاصة مرتبطة بزمن معين ودول معينة وسياق تاريخي معين يترجم مايدور ويلاحق الأحداث المتسارعة .
طبيعة أدب الحرب :
على قدر مالأدب الحرب من أهمية حيث أن تبلد العاطفة وجمود اللغة التعبيرية والجمالية في طاقة المبدع يحرمنا عن معرفة شعور الناس ومواقفهم المتباينة وصورة المجتمع الوجدانية تجاه تلك الحرب من تأييد لاتجاهات معينة .. من معارضة لقرارات معينة .. وغير ذلك .. فالأدب مرآة تعكس حالة المجتمع بصدق وعمق .
وعلى قدر ما لأدب الحرب من لمسات جمالية ومحاولة مستميتة في تعميق حب السلام ووقف إطلاق النار من خلال التنويع في التناول والتنويع في أشكال أو قوالب الإبداع أو اتجاهاته الكلاسيكية والرومانسية والواقعية والحداثية أو من خلال المضامين .. مضامين النص الإبداعي من خلال توظيف الأسطورة والانزياح والرمز .. الخ مما أعطى زخما وحضورا .
سمات أدب الحرب :
على قدر ما لأدب الحرب من أهمية على ضوء ما سبق إلا أن هناك ملامح باهتة في صورها الشعرية على نحو أخص تتوهج حينا لكنها لا تلبث أن تنطفئ وذلك لأسباب عديدة :
· أهمها : تسارع الأحداث : إن الحرب كما أسلفنا حالة فوضى غير منظمة وبالتالي فإن خيال العمل الأدبي يتشظى كل حين وهو يلهث ككاميرا الصحفي ليلتقط الصور المثيرة لنقلها مباشرة إلى الجمهور ، لكن الخيال الأدبي ليس عدسة تصويرية آلية إن الخيال الأدبي يعتمد على لغة ترسم بالكلمات وتلتقط الومضات الوجدانية جراء تلك الهزات العنيفة في الشعور يحتاج إلى التروّي .
· سطحية الصورة الشعرية :
ولكن الشاعر تظل تلاحقه التداعيات بصورة متتابعة فلا يجد الشاعر وقتا للغوص في أعماق ذاته واستقراء الأحداث بصورة راكزة وناضجة ، ونتيجة لذلك تأتي الصور الشعرية سطحية الفكرة تعتمد على : التشبيه والاستعارة وفي النادر ما يتم استدعاء :الأسطورة إلا أنه يظل استدعاء من أجل التزيين والتجميل لا من أجل تعميق التجربة ، لأن الشعور يسبق الفكرة بمعنى أن المشاعر المتوهجة والأحاسيس الجياشة هي الباعث على الكتابة فهي تأتي أولا في تركيب الصورة ثم تأتي الفكرة لاحقا ! والشاعر معذور في ذلك فالظرف الآني يحتم على الشاعر أن يكون حاضرا في ذات اللحظة ليعبر عن الضمير الجمعي السائد برشاقة .
· الصورة الشعرية التعميمية :
إن الصور الشعرية تقوم على لغة الإيحاء تلك التي تكسب السياق خصوبة وتفتح للتأويل مسارات عديدة . وهذه خاصية نادرا ما نجدها في أدب الحرب إذ أن المتتبع لأدب الحرب يرى الصور الشعرية تعميمية تحاول تعميم حالة الخوف وتجسيد المعاناة دون استشراف للمستقبل ودون وضع رؤية ، وذلك من خلال استعراض معجم القصيدة ذاتها ، وقصيدة الرؤية أو قصيدة الحلم لا تكون إلا بعد تجربة طويلة مع الفكرة ومناقشتها وتأملها لكن وقع الحرب وأحداثها المتسارعة لا تساعد على ذلك .. فتأتي الصور الشعرية تعميمية غير دقيقة .. لكن يشفع لذلك أن الصور الشعرية متطابقة ومنسجمة ومتوائمة مع التجربة .
أدب المقاومة :
استعرضنا طبيعة أدب الحرب وسماته وخصائصه بإيجاز والآن نتحدث عن أدب المقاومة
أدب المقاومة مشروع تاريخي هام ..
وإذا كان أدب الحرب يحفز ضمير المجتمع على مقاومة هذه العدوان والدعوة إلى إنهاء الحرب فإن أدب المقاومة يحفز ضمير المجتمع على رفض جميع أنواع القهر السياسي والاجتماعي والعرقي والمذهبي والطائفي وهو يريد بذلك ترسيخ المفهوم العام للحرية ومعاني الإباء واحترام الذات الإنسانية ، وبالتالي فهو أدب أمة ناهضة تبحث لها عن مكان كريم في ظل هذا العالم الذي اتخذ له موقعا في الصدارة ويضع العراقيل من نظم فاشلة وواقع قاسي أمام هذه الأمة الناهضة .
ومن خصائص أدب المقاومة :
· أن الفكرة في أدب المقاومة متساوقة مع الشعور إن لم تسبقه لتأسس لمدى بعيد .. إن الشاعر عرّاف كل الأزمنة وهو في أدب المقاومة يخاطب إلى أبعد مدى ضمير الأجيال القادمة أن لا يتواطئوا مع المستعمر الغاشم وأن لا يتنازلوا قيد شبر عن الأرض وأن لا يحنوا جباههم لطاغية وأن يقاوموا كل أشكال البغي والتخلف والعجز والكسل وأن يتمسكوا بالكلمة الجميلة ، فيخصبونها بتجارب جديدة ويقلحونها بقيم فنية راقية .
· ولا شك أن أدبا تاريخيا كهذا يعني الروّية : أي أن الشاعر مكث طويلا على لغته وأدواته الفنية وصوره الشعرية ، يجذّر في ذاته عناصرها ومفاهيمها وقواعدها إضافة إلى الرؤية التي جاءت نتيجة قراءات تراكمية وامتحانات صعبة حتى تكونت لديه فكرة عامة تفيد المجتمع في الخروج من نفق المأساة .
ختاما : إن أدب الحرب هو جزء من أدب المقاومة لكنه محصور بزمن تاريخي معين .. أما أدب المقاومة فهو مشروع أدبي تاريخي يؤسس للوعي ويمهد للتغيير وإدارة عجلة الحياة نحو الأفضل .