- كتب: محمد النمر
لا يزال العنف القائم على النوع الاجتماعي ظاهرة دولية منتشرة في جميع أنحاء العالم، فهو يؤثر على ملايين النساء والفتيات باعتباره أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شيوعًا. في دراسة استقصائية دولية نُشرت في عام 2013، قدَّرت منظمة الصحة العالمية ،أنّ واحدة من كل ثلاث نساء تبلغ أعمارهن 15 عامًا أو أكثر، قد تعرضت للعنف الجسدي أو الجنسي، أو كليهما، مرة واحدة على الأقل في حياتها.كما تسود أشكالٌ أخرى من العنف في الدول العربية، بما في ذلك: جرائم “الشرف”، الزواج المبكر والقسري والمؤقت، التحرش الجنسي في الأماكن العامة، الممارسات الضارة مثل تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، الحرمان من الحقوق والحصول على التعليم والخدمات الأساسية للنساء والفتيات.
في اليمن، لا توجد بيانات كافية حول ظاهرة العنف الذي تتعرض له النساء والفتيات في المجتمع، في الحياة العامة، وفي الحياة الخاصة (ما يعرف بالعنف الأسري). يتم التعامل مع العنف الأسري عمومًا على أنه شأن أسري، يحدث داخل حدود المنازل ولا يجوز أن يتدخل الآخرون فيه لأن العنف يمارسه أفراد الأسرة، مثل الأب أو الزوج أو الأخ، الذين يملكون السلطة الممنوحة لهم من قبل المجتمع الذكوري في اليمن. هذا الأخير تحكمه العادات والتقاليد الذكورية؛ ففي اليمن، لا يوجد قانون خاص بالعنف الأسري. وبدلًا من ذلك، تخضع حوادث العنف الأسري لأحكام عامة في القانون الوطني، والتي تتضمن العديد من الأحكام التمييزية التي تسمح بالعنف ضد المرأة وتتغاضى عنه.
يشير انتشار العنف الأسري إلى خلل في البنية الاجتماعية للأسرة كأول جدار حماية صلب لأفراد الأسرة. كما أنه يشكّل خللًا في القيم المجتمعية وأعرافها، وفشلًا في هيكل الدولة وقوانينها ومؤسساتها المختلفة، بما في ذلك الشرطة ومؤسسات القضاء. كما أنّ السلوك العنيف داخل الأسرة يؤثر على الأطفال والنساء، حيث يفتقرون إلى الشعور بالأمن والاستقرار، ممّا يؤثر سلبًا على نموهم وصحتهم الجسدية والعقلية.
تبحث الدراسة الحالية في ظاهرة العنف الأسري ضد المرأة خلال فترة النزاع المسلح المستمر في اليمن، وخاصة الفترة من 2014 إلى 2021. والهدف من هذه الدراسة النوعية هو تحديد وتسليط الضوء على الأنماط والظروف والأسباب السائدة للسلوك العنيف تجاه المرأة داخل الأسرة، مع التركيز بشكل خاص على الأشكال الجسدية للعنف الأسري. بالإضافة إلى ذلك، تهدف هذه الدراسة إلى الكشف عن الطرق التي تعامل بها الناجيات والمجتمع والشرطة والمؤسسات القضائية مع حالات العنف الأسري. وتسعى هذه الدراسة أيضًا إلى تحديد الخصائص المشتركة الموجودة بين الناجيات وضحايا العنف الأسري، وكذلك بين مرتكبي هذا النوع من العنف. تقدّم الدراسة مساهمة بالغة الأهمية بسبب محدودية الدراسات وجمع البيانات التي تركِّز على العنف الأسري ضد المرأة في اليمن. ومع ذلك، فإن الدراسة تحتوي على محددات معينة بسبب الصعوبات التي يواجهها فريق الدراسة في البحث في هذا الموضوع الحساس والجديد. وفي نهاية المطاف، تسعى الدراسة وتوصياتها إلى المساهمة في تعزيز وحماية حقوق المرأة وحرياتها في حالة العنف.
يتراوح تأثير العنف على النساء والفتيات من عدة عواقب جسدية وجنسية وعقلية مباشِرة إلى آثار على المدى الطويل، بما في ذلك الموت. يؤثر العنف سلبًا على رفاه المرأة بشكلٍّ عام، ويحول دون مشاركة النساء بشكلٍّ كامل في المجتمع. لا تقتصر العواقب السلبية للعنف على النساء فحسب، بل تتعداهن إلى عائلاتهن ومجتمعهن والدولة ككل. ويتسبب العنف في تكاليف باهظة، من الرعاية الصحية والنفقات القانونية الزائدة إلى الخسائر في الإنتاجية، مما يؤثر على الميزانيات الوطنية والتنمية بشكلٍ عام. على سبيل المثال، في المغرب، تشير التقديرات إلى أن عنف الشريك يكلف النظام القضائي 6.7 مليون دولار أمريكي سنويًا. وفي مصر، قُدّرت تكلفة العنف الذي تعاني منه النساء وأسرهن بما لا يقل عن 208 ملايين دولار أمريكي في عام 2015 وقد تصل إلى 780 مليون دولار أمريكي.
حلولنا
يشمل الإطار القانوني الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة سيدوا “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، و إعلان الأمم المتحدة لعام 1993 بشأن القضاء على العنف ضد المرأة. ورغم أن بلدان المنطقة كلها تقريبًا أطرافٌ في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة(سيدوا)، فقد أبدت كلٌ منها تحفظات عامة أو محددة على الاتفاقية بأكملها أو على مواد مُعيّنة بها، مما يؤثر على التنفيذ الفعال للاتفاقية في تلك البلدان. كما أن البروتوكول الاختياري لاتفاقية سيداو، والذي يحدد الوسائل الإضافية لإيصال الشكاوى إلى هيئة الخبراء الدولية المُكلّفة باستعراض تنفيذ البلدان للاتفاقية، لم تصدّق عليه سوى أربعة من بلدان المنطقة فقط هي: المغرب وتونس وليبيا واليمن . مسترشدًا بالأطُر الدولية ذات الصلة، يعمل المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية مع شركائه للتصدي للعنف ضد المرأة وفقاً للأولويات الثلاث التالية:
المعايير: يدعو المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية إلى اعتماد أطر تشريعية وسياسية شاملة للتصدي للعنف ضد النساء والفتيات. وينبغي أن يتضمّن النهج التشريعي الشامل تجريم جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات، ومقاضاة الجناة ومعاقبتهم على نحو فعال، وحماية الناجيات ودعمهن وتمكينهن.
التنسيق: يتبنى المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية نهجاً شاملًا يضم أصحاب المصلحة المتعددين؛ ويعتمد على الخبرة التكاملية لوكالات الأمم المتحدة، والحكومات، والمجموعات النسائية والمجموعات المجتمعية الأخرى في تقديم المشورة في مجال السياسات؛ وتعزيز قدرات أصحاب المصلحة الرئيسين على تطوير تدخلات تتماشى مع المعايير الدولية؛ وتطوير الإرشادات ونشر ها، وأدوات التنفيذ، والموارد.
التنفيذ: يعمل المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية على تغيير الأعراف الاجتماعية والقوالب النمطية للنوع الاجتماعي ودعم تقديم الخدمات للناجيات من العنف. يرتكز العنف على القبول الاجتماعي المستمر للتمييز ضد المرأة بين الذكور والإناث في المنطقة. تعمل هيئة الأمم المتحدة للمرأة مع منظمات المجتمع المدني والإعلام والزعماء الدينيين والجهات الفاعلة الرئيسة لتغيير المواقف من العنف ضد المرأة.
علاوةً على ذلك، يُمثل توفير الخدمات جزءًا حاسمًا في حل لغز الوقاية من العنف ضد النساء والفتيات والاستجابة له. في المنطقة، ما تزال هناك فجوة بين الاتفاقيات والالتزامات المُتّخذة على المستوى التدخلي لتقديم خدمات بشأن العنف ضد المرأة من جهة والتنفيذ على المستوى القُطري من جهة أخرى. من خلال برنامج ” مجموعة الخدمات الأساسية للنساء والفتيات المتعرّضات للعنف” تعمل هيئة الأمم المتحدة للمرأة مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى على معالجة العنف ضد النساء والفتيات في الدول العربية.
تقدير تكلفة العنف ضد المرأة في المنطقة العربية
يقوم المكتب الإقليمي للمرأة في الدول العربية بالاشتراك مع مركز المرأة التابع للجنة الأمم المتحدة لغرب آسيا (الإسكوا) بتنفيذ مشروع إقليمي على مرحلتين حول تقدير تكلفة العنف ضد المرأة في المنطقة العربية. استلزمت المرحلة الأولى من المشروع نشر تقريرين. يستند التقرير الأول وعنوانه “وضع المرأة العربية في المنطقة العربية: العنف ضد المرأة: ماذا على المحك؟” إلى استعراضٍ للأدبيات العالمية والإقليمية لصياغة إطار مفاهيمي وتحليلي حول العنف ضد المرأة وتطوير فهم للمنهجيات المستخدمة لتقدير التكاليف الاقتصادية لعنف الشريك. يُسلّط التقرير الضوء على آليات الإبلاغ عن العنف ضد النساء والفتيات والقواعد الإدارية للبيانات والمتوفرة على المستوى الوطني؛ ويحلل العلاقة بين عنف الشريك والاقتصاد؛ كما يدرس الآثار الضارة للعنف على الصحة. يشرح التفرير الثاني “تقدير تكاليف العنف الزواجي في المنطقة العربية: النموذج التشغيلي” النموذج الاقتصادي الأساسي والخيارات المتاحة لتقدير تكاليف عنف الشريك في المنطقة، مع الأخذ بعين الاعتبار الفجوات المعرفية وبيئة السياسات والإطار التشريعي في الدول العربية. في المرحلة الثانية من هذا المشروع المشترك، من المتوقع أن يُجَرَّب النموذج الاقتصادي في بعض بلدان المنطقة. سيكون الهدف هو تقدير التكلفة السنوية لتقديم الخدمات في قطاعات مختارة مثل الصحة والأمن والخدمات الاجتماعية؛ وتطوير تقديرات كليّة للخسارة في الإنتاجية؛ وتقدير التكلفة السنوية للعنف ضد المرأة على الأسر المعيشية. فلسطين هي أول بلد يدخل ضمن المرحلة التجربية.
لتكن خاتمة اليمن كما قالت “مواطنة لحقوق الإنسان”، أن اليمن باتت الباحة الملئية بالعنف الأسري،،يتم التعامل مع #العنف_الأسري عمومًا على أنه شأن أسري، يحدث داخل حدود المنازل ولا يجوز أن يتدخل الآخرين فيه لأن العنف يمارسه أفراد الأسرة، الذين يملكون السلطة الممنوحة لهم من قبل المجتمع ..