- كتب: محمد النمر
فارق يبلغ من العمر 13عاماً، وأمجد 10 أعوام وأمل 7 أعوام، وناجي 5 أعوام، أيتام فقدوا والدهم في لغم أرضي مزروع في باطن الأرض أثناء ذهابه لرعي أغنامه في رقعة زراعية يمتلكها بجوار منزله بقرية القوز بمديرية جبل حبشي غرب تعز..
هذه المنطقة التي اندلعت فيها الحرب في يوليو من العام 2017 م، تمكنوا من النزوح إلى قرى الجوار لكن الموت كان أسبق منهم،
ناهيك عن ضحية أخرى وهي أمهم التي أصابتها رصاصة حية في منتصف رأسها بعد ما فارق والدهم الحياة بأشهر قليلة أثناء قيامها بأعمال المنزل التي تقطنَ فيه..
كل هذا البؤس والحزن الذي يملأ قلوب هؤلاء الصغار أدخلهم بعالم الضياع ومرارة الحياة..
وهكذا يكون قد غاب عنهم الركنان الأساسيان من بين عائلتهم الصغيرة، وتراكمت الأحزان عليهم وتركتهم في حقبة زمنية مظلمة خالية من الأمومة والأبوة، خصوصا وأنهم في بداية طفولتهم، مافاقمَ من معاناتهم بشكل لا يطاق..
يقول الولد فارق الذي يعتبر أكبر سناً بين إخوته في حديث له لـ” بيس هورايزونس” بعد البؤس الكئيب الذي حلَ بأسرتهم اضطروا الانتقال من محافظة تعز إلى محافظة صنعاء بمبادرة من إحدى رجال القرية، وبمساعدة من قبل المؤسسة “الخيرية لرعاية الأيتام ” في العاصمة”صنعاء” المؤسسة التي احتضنتهم وقدمت إليهم المساعدة الماسة والاحتياجات الضرورية وتم نقلهم إلى المؤسسة والاعتناء بهم وتوفير بيئة مناسبة لينعموا بمكان آمن لا حرب فيه يساعدهم على نسيان ما حدث لهم.. ويقول “أيضاً” هرباً من واقعهم ومنطقتهم التي تحولت إلى اشباح مخيفة، وصار الخوف المهيب يسكن القرية، وهول الحادثة ماسببت بصدمة نفسية مؤلمة في ذاتهم، ويقول: أن أبوهم كان عاملاً في الزراعة والبناء ولا يمتلك شيء سواء هذا العمل الشاق، وهذا يعطي صورةٌ واضحة أن حالتهم المادية متردية بشكل كبير.
تقول”الجمعة الخيرية للرعاية الاجتماعية للأيتام” والتي احتضنت هؤلاء الأطفال الفاقدون معيلهم في حديث لـ “بيس هورايزونس” : عند قدوم هؤلاء الأيتام من المنطقة التي تجرعوا فيها غلبة الفرقة الأسرية التي لطالما استظلوا بظلها، وكانوا في حالة يرثى لها، خاص الطفل الأصغر “ناجي” يعاني من إعاقة جسدية وعنده ضمور في الدماغ، وكلهم يسكنهم الخوف وتشتت الذهن، والتصرف بشكل جنوني بالغ التأثير، حتى أنهم كانوا ينعزلون بمفردهم لا يرغبون في الحديث مع أحد لا يطلبون.. سواء “أريد أمي وأبي”، وصاروا في حالة جمود تام، وهذا ما أدخلهم في صدمة كبيرة يصعب معالجتها، وترميم جراحاتها.
سرعان ما قامت المؤسسة باحتضانهم وتوفير الرعاية اللازمة لهم بشكل جيد، والاهتمام بهم وتعليمهم في المدارس وتحفيظهم القرآن الكريم وتوفير مايحتاجون إليه وتربيتهم بأسلوب يتناسب مع فكرهم الطفولي، حتى عادت حياتهم إلى الأفضل، بعد أعوام من الحادثة تمكنوا من تخفيف آلامهم برغم أن آلامهم لم تنته بعد لكنهم اليوم يبدون بصورة أفضل مما كانت عليه في السابق، ويحظون برعاية وتعليم وسكن وأسرة تقوم بكل أعمالها تجاههم والمحافظة عليهم..
وحسب المؤسسة الخيرية للرعاية الاجتماعية للأيتام فإن عدد الأيتام المكفولين في نهاية العام 2017 م ( 30.810) ثلاثين ألفا وثمانمائة وعشرة أيتام في جميع محافظات الجمهورية في حين تجاوز العدد التراكمي للأيتام الذين كفلتهم المؤسسة من ذو التأسيس 58،000 ألف يتيم ويتيمة، كما أن يتمتع قطاع كفالة ورعاية الأيتام بخبرة تراكمية في الإدارة المحترفة لرعاية الأيتام ووجود شبكة من العاملين والمندوبين والمتطوعين في هذه المؤسسة؛ للقيام بأعمالهم تجاه هذه الشريحة المهملة دون سند.
هناك عدد من المؤسسات تحضن فئة “الأيتام” في اليمن، كمؤسسة اليتيم التنموية التي تحتضن كم هائل من هذه الشريحة..
“يقول” مدير الإعلام بمؤسسة اليتيم التنموية، خطاب عبدالله “لـ “بيس هورايزونس”: عدد الأيتام تصل إلى مليون ونصف مليون يتيم ترعاه هذه المؤسسة بينهم ثلاثة في المائة من الأيتام ذوي الإعاقة، وأربعة في المائة يعانون من مشكلات نفسية كالاكتئاب والأمراض المزمنة، وفي السياق ذاته قال أن إجمالي إحصائية الأيتام يصل إلي مليون و 100 الف يتيم.. منهم 47 ألف طفل يتيم لا يتجاوز عمره 12 عام، من بين 100الف ينحدر غالبيتهم من أسر ذوي الدخل المحدود.
الاكتفاء الذاتي ومعاناة بعض المؤسسات:
“تقول” مؤسسة اليتيم التنموية لـ ” بيس هورايزونس”تتضاعف المسؤولية الملقاة على عاتق المؤسسة المعنية برعاية الأيتام في هذه الآونة بسبب شحة الدعم الذي كان يجود به فاعلين الخير، وصار يتناقص يوما بعد يوم..
الآلاف من اليتامى يبحثون عن مسكن:
بحسب تصريح هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات يبلغ عدد الأيتام في اليمن منذ اندلاع شرارة الحرب أكثر من مليون وخمسمائة وخمسون ألف يتيم ممن فقدوا عائلاتهم بسبب الحروب والصراعات المتواصلة في البلد، وفي السياق ذاته أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”أن كل يوم يتحول نحو ألف طفل إلى أيتام بسبب الحروب والصراعات والنزاعات المسلحة..
كما قالت المؤسسة الخيرية للرعاية الاجتماعية للأيتام لـ”بيس هورايزونس”: قبل أزمة الشحة المالية، كانت تحظى المؤسسة بدعم هائل من قبل مختلف الفئات لاسيما التُجار ورجال الأعمال وفاعلين الخير ومتبرعين خارج اليمن وداخلها، لكن هذا الخير صار يتناقص ببطء وبعضه يزول ويغيب، فمن يعيد لهذه المؤسسة وجهها المشرق قبل أن يميل حاضرها وماضيها للغروب..؟!
“تقول تقديرات اليونيسيف” لقد ألحقت حرب اليمن خسائر فادحة بالمدنيين وخاصة الأطفال وتشير الإحصائيات إلى مقتل أو إصابة أكثر من 100 ألف طفل منذ بدء حملة القصف، ومن المتوقع ان يكون 10ملايين طفل _ 80 بالمائة من سكان اليمن الذين لم يتجاوزوا 18عاماً بحاجة ماسة إلى المساعدة..
إحصائيات المنظمات المحلية “لأيتام الحرب”:
هناك إحصائيات أخرى لمؤسسة محلية” تقول” في تصريح لها.. أن الحرب الدائرة في اليمن خلفت ما يزيد عن 79 ألف و155 يتيما حسب المسح الميداني الذي أجريته المؤسسة “المحلية”، وأشارت المؤسسة إلى أن العديد من المعاناة تعيشها 15 ألف و 571 أسرة يتيمة وأن 60 بالمائة من أسر الأيتام تفتقر لأبسط مقومات الحياة منها الدواء والغذاء والعلم، وحتى الذهب للمستشفيات والمرافق الصحية صارت صعبة للغاية في ظل الظروف الراهنة.
وتقول تقارير المنظمات العاملة في اليمن، أن الحرب منذ ثمانِ سنوات، ضاعفت أعداد الأطفال الأيتام وفاقمت من معاناتهم، حتى صاروا يفتقرون للرعاية الصحية الأولية والتعليمية والغذائية في ظل تدهور الوضع المعيشي العام وانتشار الأمراض المستعصية والأوبئة، وانعدام دخل الأسر والمشاكل الاجتماعية وحالة الثأر والنزاعات المسلحة.. وهنا بات الكثير من هؤلاء الأطفال مشردين في العراء وتحت حرارة الشمس الحارقة والأتربة والغبار تلتحف وجوههم.. كل هذه الأوضاع والمشاهد المظلمة تلقي بظلالها على نفسياتهم وتحدث تأثيرات إضافة إلى معاناتهم السابقة.